سكان الضاحية ينزحون إلى الجبل.. وخطة "الحزب" للإخلاء جاهزة

أكوامٌ من الحقائب والصناديق مرتبةٌ عند مداخل المباني، فرشٌ اسفنجية ملقية على أسطح السيارات، شققٌ فارغة من سكّانها.. هو نمط من العيش تحول إلى مشهد يوميّ في الضاحية الجنوبية، بعد الاستهداف الإسرائيليّ الأخير، الذي وضع الضاحية برمتها في حالةٍ من الترقب والتوجس المزمنين. وقد شهدت منذ نحو أسبوع حركة نزوح نحو المناطق الجبلية، خوفًا من توسع رقعة الاشتباكات، ومن أن تصبح مباني الضاحية "بنكًا" للأهداف الإسرائيليّة كما جرى في حارة حريك، أو أن يكون قادة حزب الله قاطنين في هذه المباني وعرضة للاستهداف.

نزوح نحو مناطق آمنة
مئات العائلات أخلت منازلها في الضاحية الجنوبيّة وغادرت المنطقة خلال الأيام الماضية متوجهةً نحو مناطق أكثر أمنًا، ما دفع بأصحاب الشقق السكنية في المناطق الجبلية والبعيدة عن العاصمة بيروت إلى مضاعفة بدلات الإيجار أكثر من 3 أضعاف، بعد ازدياد الطلب عليها بشكل جنونيّ.

تفاوتت حركة النزوح بين منطقة وأخرى، ولعل السبب الأساسي هو الارتفاع الجنوني في إيجار الشقق وعدم قدرة الكثير من العائلات على تأمين آلاف الدولارات بشكل شهريّ. وبرأي رئيس بلدية الغبيري، معن الخليل في حديث مع "المدن"، فإن حركة النزوح خفيفة جدًا في الضاحية الجنوبية، وسكان منطقة الغبيري لم يغادروا منازلهم بعد، فهم واثقون بأن الضاحية لا تزال آمنة، مؤكدًا أن الحركة اليومية طبيعية جدًا والمحال التجارية مفتوحة كعادتها، ولم تضع البلدية أي خطة للطوارئ على اعتبار أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الدولة اللبنانية.

عاليه وبحمدون: مقصد النازحين
في المقابل، أكد رئيس بلدية عاليه، وجدي مراد في حديثه لـ"المدن" أن بلدة عالية باتت مليئة بالنازحين. "يومياً، تجول العائلات في شوارع عاليه بحثًا عن شقق مفروشة للمكوث فيها خلال المرحلة الراهنة، كما أن غالبية المنازل الشاغرة قد امتلأت بسكان الضاحية الجنوبية وجنوب لبنان".  

في السياق نفسه، أوضح كمال شيا، رئيس اتحاد بلديات الجرد الأعلى- بحمدون ورئيس بلدية صوفر، في حديث لـ"المدن"، "أن حركة النزوح ضئيلة في صوفر لكون هذه البلدة معروفة بالقصور والفلل الفخمة، بينما يتوجه جميع النازحين نحو قرى قضاء عاليه مثل بدغان، شارون، العزونية، شاناي..، وهي قرى مليئة بالمباني السكنية والشقق المفروشة، وباتت شبه ممتلئة ولم يعد متوافرًا فيها سوى القليل من الشقق المفروشة".

في هذه البلدات، لم تُفرض أي شروط على النازحين، ولم يطلب منهم أي معلومات شخصية، ولكن المشهد لم يخلُ من بعض الخلافات مع النازحين خلال الأيام الماضية. وحسب شيا، فإن أصحاب الشقق يشترطون إقامة عائلة واحدة في كل منزل، فمنذ حوالى الأسبوع انتقلت عائلة إلى شقة سكنية في المنطقة، لكن صاحب المنزل تفاجأ بأن منزله بات ممتلئًا بأكثر من 20 شخصًا، فاعترض على الأمر وتم حل الخلاف خلال فترة قصيرة، لافتًا إلى أن أكثر من عائلة تقيم في المنزل الواحد".

وانطلاقًا من هنا، وبغية تنظيم هذا الأمر تجنبًا لخلافات متوقعة، طلبت البلدية من جميع المستأجرين الحضور إلى البلدية لتوقيع عقود الايجار، والاتفاق على تكاليف الإيجار، كما وضعت البلدية بالتعاون مع أكثر من 8 بلديات في القرى المجاورة والدفاع المدني والصليب الأحمر خطة للطوارئ (تحسبًا لحرب شاملة) تشمل تجهيز المدارس وبعض مراكز الايواء.

خطة حزب الله
من جهتها، أفادت مصادر "المدن" أن حزب الله وضع خطة طوارئ في حال نشوب حرب واسعة، وهي مقسمة على عدة مراحل. هذه الخطة نُظّمت خلال السنوات الماضية، تحسبًا لأي حرب محتملة مع الجانب الإسرائيلي، ومع بداية أحداث السابع من تشرين بدأ حزب الله بتجهيز هذه الخطة. وتتضمن الطرق الآمنة لإخلاء أهالي سكان الضاحية من المنطقة، حيث سيتم العمل على توزيعهم في شقق مفروشة في الشمال والبقاع والمناطق الجبلية، أي تلك التي ستكون خارج رقعة الحرب. أما المرحلة الثانية والتي يطلق عليها "خطة ب" فستتضمن تجهيز مراكز الإيواء والمدارس باللوازم المطلوبة كالفرش الإسفنجية واللوازم الطبية والمعلبات الغذائية، كي تصبح جاهزة لاستقبال العدد الأكبر من السكان. وأكدت المصادر أن حزب الله سيبلغ الأهالي بضررورة الخروج من الضاحية الجنوبية في حال ازداد الخطر على المنطقة وباتت المباني السكنية عرضةً للإستهداف الإسرائيلي. لكن المصادر أكدت أنه حتى الساعة لم تُطبق بعد هذه الخطة، ويتم العمل على تجهيزها فقط.

وإلى هذا الحدّ، وفيما يبدو ظاهريًّا أن سكان الضاحية الجنوبية يتخبطون بين متوجس من تداعيات التصعيد المستمر في الجبهة الجنوبيّة، ومن اختار "الصمود" بوجه هذه التوجسات والمخاوف، على اعتبار أن الحزب هو الحامي، يقبع في الوسط شريحة واسعة من غير القادرين على انتقاء أي خيار. هؤلاء المسحوقون تحت محنة العيش في ظروفٍ اقتصاديّة صعبة، فلا هم قادرون على الفرار، ولا مستعدون لسيناريو حربٍ شاملة، تزيد على نكبتهم المعيشية، نكبة جهنمية مثل هذه الحرب.