المصدر: العرب اللندنية
الكاتب: خيرالله خيرالله
الأحد 21 حزيران 2020 07:12:32
لا يمكن ملء الفراغ السياسي القائم في لبنان عن طريق دعوات إلى مؤتمرات أو اجتماعات تحت لافتة براقة اسمها الحوار الوطني أو اللقاء الوطني. من يحاور من في لبنان ومن أجل تحقيق أي هدف؟
لا وجود لهدف يخدم لبنان واللبنانيين غير ملء الفراغ القائم حاليا، وهو فراغ استطاع “حزب الله” الذي يمثّل إيران الاستفادة منه إلى أبعد حدود. صار “حزب الله” من يقرّر من هو رئيس الجمهورية اللبنانية المسيحي ومن هو رئيس مجلس الوزراء السنّي.
بكلام واضح، لا يمكن ملء الفراغ من دون فكّ أسر لبنان الذي تحوّل رهينة إيرانية ولا شيء آخر غير ذلك. هل يمكن لأي حوار أو لقاء وطني في قصر بعبدا أو غير قصر بعبدا أن يكون خطوة في هذا الاتجاه؟
في النهاية، وتفاديا لإضاعة الوقت، لا قيمة لأيّ حوار لبناني – لبناني من أي نوع في غياب القدرة على التعاطي مع الواقع. فقبل أي شيء، لا يوجد شيء اسمه الحوار من أجل الحوار، خصوصا في بلد يعاني من انهيار على كلّ الصعد. هناك بكلّ بساطة قيادة سياسية لا تستوعب معنى انهيار النظام المصرفي اللبناني وهي عاجزة عن فهم أبعاد ذلك وانعكاسه على مستقبل لبنان كبلد مستقل يمتلك دورا خاصا به في المنطقة.
أكثر من ذلك، لا وجود لقيادة سياسية تفهم معنى “قانون قيصر” وأبعاده وما يدور في المنطقة من تجاذبات، بما في ذلك الدور التركي المتزايد ليس في سوريا وليبيا فحسب، بل في المنطقة كلّها، بما في ذلك اليمن والصومال.
هناك شعارات مطلوب تفادي السقوط في فخّها، شعارات من نوع “الممانعة” و”المقاومة” و”التصدّي لإسرائيل” وما شابه ذلك. ليس أسهل من الهرب إلى إسرائيل لتفادي طرح الموضوع الأساسي الذي يهمّ جميع اللبنانيين. هذا الموضوع هو سلاح “حزب الله” ودوره في الحرب على السوريين وقمع اللبنانيين والسيطرة على الحياة السياسية بالبلد وتحديد موقعه الإقليمي خارج المنظومة العربية.
هل العهد جدّي في التعاطي مع موضوع شائك هو موضوع سلاح “حزب الله” أم لا؟ لا فائدة من أي لقاء وطني أو أي حوار خارج هذا الإطار. كلّ ما هو خارج هذا الإطار مضيعة للوقت، أي مزيد من الانهيار على الصعيد اللبناني ككلّ.. من النظام المصرفي، إلى التعليم، مرورا بكلّ ما له علاقة بتغيير طبيعة المجتمع اللبناني في ضوء تمكّن “حزب الله” من تغيير طبيعة المجتمع الشيعي.
ماذا يعني التعاطي مع الواقع في لبنان؟ يعني أوّل ما يعني أن لبنان يعاني من أزمة مصيرية في ظلّ فراغ سياسي. مثل هذا الفراغ السياسي المستمرّ سيؤدي إلى نهاية لبنان الذي عرفناه. المشكلة أن لا وجود، إلى إشعار آخر، لبديل من لبنان الذي عرفناه. كلّ كلام عن تقسيم للبلد أو عن فيدرالية لا يعني شيئا في ظلّ التداخل السكاني والطائفي والمذهبي. لا يستطيع المسيحيون العيش وحدهم. عندما كانوا يسيطرون على منطقة لبنانية حصلت حروب في ما بينهم. تقاتل ميشال عون وسمير جعجع طويلا في 1988 و1989 و1990. تقاسموا دبابات أرسلها إليهم صدّام حسين وراحوا يستخدمونها في حربهم الداخلية التي انتهت بانتصار سوري في 13 تشرين الأول- أكتوبر 1990.
من يتذكّر ذلك التاريخ الذي كان نقطة تحوّل في لبنان بعدما أصبح جيش النظام السوري في قصر بعبدا ووزارة الدفاع. انتهت الحرب المسيحية – المسيحية بسيطرة سوريّة على كل لبنان. لم ينه هذه السيطرة إلا اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005. حصل شبه إجماع لبناني على استعادة السيادة والاستقلال. كانت تظاهرة الرابع عشر من آذار – مارس 2005. شارك كلّ لبنان في تلك التظاهرة باستثناء “حزب الله” وبعض توابعه. كانت النتيجة خروج الجيش السوري من لبنان لتحلّ مكانه، للأسف الشديد، الوصاية الإيرانية.
ليس لدى أي لقاء ينعقد في قصر بعبدا من خيار آخر غير خيار الذهاب إلى جذور الأزمة اللبنانية، أي إلى قضية اسمها سلاح “حزب الله” الذي أعلن الأمين العام للحزب أن لا مجال للتخلّي عنه.
فرض سلاح “حزب الله” أن يكون لبنان في “محور الممانعة” الذي يدار من طهران. فرض على حكومة حسّان دياب خيار “الذهاب شرقا”، أي إلى الصين وإيران، من منطلق أن في استطاعة لبنان الاستغناء عن الدولار. فرض سلاح “حزب الله” على لبنان خيارا غير موجود أصلا. لن تبيع إيران، التي هي تحت سيف العقوبات الأميركية، نفطا تقبض ثمنه بالليرة اللبنانية.. أما الصين فلن تستثمر دولارا واحدا في لبنان لاعتبارات مرتبطة بأنّه بلد غير مستقرّ من جهة وأنّ شركاتها ليست جمعيات خيرية كما يتصوّر حسن نصرالله وآخرون، من جهة أخرى.
قضيّة لبنان هي قضيّة مصير سلاح “حزب الله”. عزل سلاح “حزب الله” لبنان عربيا ودوليا. فوق ذلك كلّه، أخذ لبنان إلى سوريا أي إلى نار “قانون قيصر” الذي سيكرّس في غضون بضعة أشهر نهاية النظام السوري القائم بشكل رسمي. انتهى هذا النظام الذي على رأسه بشّار الأسد عمليا، لكنّه لا تزال لديه مهمات محدّدة. تتمثل هذه المهمّات في استكمال تفتيته لسوريا، بما يتناسب مع الخطوط العريضة لاتفاقات روسية – تركية – إسرائيلية بغطاء أميركي.
الوقت يمرّ وليس لدى لبنان وقت يضيّعه. بيان وزارة الخارجية الفرنسية الأخير أكثر من واضح. هناك خوف من انفجار في لبنان وهناك دعوة إلى إصلاحات وهناك دعوة إلى التزام لبنان بالقرارين 1559 و1701. هذا يعني أن فرنسا تعي تماما ماذا يعني بقاء سلاح “حزب الله” المرفوض عربيا ودوليا وماذا سيترتب على لبنان جراء التمسّك بهذا السلاح المشارك في الحرب على الشعب السوري.
لم يعد مطلوبا من اللقاء والحوار اللبناني – اللبناني سوى تغطية ممارسات “حكومة حزب الله” في “عهد حزب الله”. من في لبنان مستعدّ لهذا الدور في وقت لا يدري المواطن اللبناني أو العربي، الذي وثق بالمصارف اللبنانية، ما مصير ودائعه؟
الأكيد أن الحوار من أجل الحوار لا ينقذ لبنان ولا يشكّل مدخلا لمخرج من حال الانهيار. لا يمكن للحوار من أجل الحوار أن يكون بديلا عن التصالح مع الواقع ومن تصالح لبنان مع نفسه ومع محيطه العربي ومع المجتمع الدولي أوّلا وأخيرا…