سلاحٌ قاتل: هذا ما يفعله الفوسفور الأبيض!

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، عقب تنفيذ حركة «حماس» عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول الماضي، توالت تقارير عدة من أطباء وحقوقيين وصحافيين تفيد باستخدام إسرائيل قذائف الفوسفور الأبيض في غزة وجنوب لبنان، وفي كل يوم تتوالى المعلومات التي تؤكد ذلك. وتقاطعت الأدلّة بين صحيفة «واشنطن بوست» و»منظمة هيومن رايتس ووتش» و»منظمة العفو الدولية»، إضافة إلى أطباء ومواطنين لبنانيين، حول استخدام هذه القذائف المحرّمة دولياً في قصفها على جنوب لبنان، وتحديداً على بلدات الظهيرة ويارين ومروحين والماري وعيتا الشعب، حيث عانى المصابون ضيقاً في التنفّس وحالات اختناق، قبل أن يتمّ نقلهم إلى المستشفيات للمعالجة.

عضو مجلس بلدية الضهيرة الحدودية نادر أبو ساري، الصامد في البلدة حتى اليوم، يؤكد لـ»نداء الوطن» أنّ إسرائيل استخدمت الفوسفور الأبيض المحرّم دولياً بلا شك، فقد قصفت البلدة وأطرافها في منتصف الشهر الماضي بنحو 150 قذيفة في الليل، واستفاق الأهالي في الصباح على الدخان الأبيض الذي يلفُّ المنطقة ويحجب الرؤية حتى أصابع اليد، مع حالات اختناق وضيق في النفس مصحوبة برائحة كريهة». ولم يُخفِ أبو ساري أن «الأهالي قرّروا وقتها النزوح عن البلدة خشية على حياتهم، ولدى انتقالهم إلى خارجها وقعت حوادث السير نتيجة انعدام الرؤية، وللأسف لم تهتم أي منظمة دولية أو حقوقية بما جرى وإنما نقلوا الروايات والشهادات عن الصحافيين الذين واكبوا العدوان على البلدة».

يبلغ عدد سكان الضهيرة أكثر من 3500 نسمة، موزّعين على 250 منزلاً تقريباً، ولم يبق منهم إلا القليل وبعد الهدنة الأخيرة عادت نحو 40 عائلة لجني المحصول إذا أمكنها الوضع. ويقول أبو ساري: «لقد تضرّرت البلدة كثيراً جرّاء القصف الإسرائيلي وأصيبت 10 منازل بدمار كلّي، و30 منزلاً بأضرار جسيمة، ناهيك بالخسائر في المزروعات والأشجار المثمرة في البساتين، ورغم ذلك نحن صامدون هنا ولم نترك أرضنا»، ودعا الأمم المتحدة وهيئات المجتمع المدني الى محاسبة إسرائيل «على جرائمها ومجازرها وإطلاقها قذائف الفوسفور الأبيض ضد المدنيين وهو المحرّم دولياً». ووفق صحيفة «واشنطن بوست» فإنّ القوات الإسرائيلية أطلقت قذائف من عيار 155 مليمتراً على بلدة الظهيرة، ما أدّى إلى حرق 4 منازل وإصابة 9 مدنيين على الأقل، وقد تبين تطابق بيانات الإنتاج المسجلة على القذائف، مع تصنيفات الجيش الأميركي لذخائره المصنعة محلياً، وتظهر أنها أنتجت في ولايتي لويزيانا وأركنساس في عامي 1989 و1992.

ويقول الزميل بلال قشمر لـ»نداء الوطن»، وهو يغطّي وقائع العدوان الإسرائيلي «إن إسرائيل استخدمت القذائف الفوسفورية الحارقة التي أدّت إلى تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية على طول الحدود الجنوبية من رأس الناقورة إلى مرتفعات كفرشوبا»، و»الآثار السلبية بدأت تظهر على المزروعات الخضرية والأشجار المثمرة لا سيما شجر الزيتون وقد احترق بالكامل في خراج بلدة علما الشعب والضهيرة، ولم يتمكن أصحاب كروم الزيتون من قطافها والاستفادة من الموسم، وهذا شاهدناه بأم العين خلال تغطيتنا الاعتداءات على قرى القطاع الغربي».

وأضاف «لم يقتصر الاستهداف على المساحات الزراعية، بل تعدّاه إلى داخل القرى لا سيما الضهيرة التي نالت نصيبها الوافر من القذائف الفوسفورية وقد غطى دخانها في اليوم السابع من المواجهات في جنوب لبنان كافة أرجاء البلدة وتسببّت في حالات اختناق للمدنيين، كما لرجال الدفاع المدني اللبناني الذين كانوا يقومون بإطفاء الحريق في أحد منازل البلدة «. وتتطابق شهادة المواطنين الصحافيين مع المسعفين الذين يعملون على خط نقل الجرحى من القرى الحدودية إلى مستشفيات المنطقة، يشرحون لـ»نداء الوطن» أن المصابين تحدثوا عن «قذائف تنبعث منها رائحة كريهة وتسبّب حالات اختناق عند استنشاقها وتشتعل مجدّداً كلّما تعرّضت للأوكسجين، فيما يؤكد الأطباء في أقسام الطوارئ في مستشفيات صور، أن بعض المصابين كانوا يعانون ضيقاً في التنفّس وسعالاً ناتجاً عن استنشاق الفوسفور الأبيض».

وتعتبر ذخائر الفوسفور الأبيض أسلحة حارقة تخضع للبروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليدية التي انضمّ إليها لبنان وفلسطين في عام 2017، وامتنعت عنه إسرائيل. ويحظر هذا النص الدولي استخدام الأسلحة الحارقة التي يتم إسقاطها جواً في المناطق التي فيها «كثافة عالية من المدنيين».

وكانت إسرائيل قد استخدمت خلال عدوانها على لبنان العام 2006 قذائف تحتوي على مادة اليورانيوم المخصّب ولكنها استطاعت الإفلات من العقاب، رغم التأكيدات الدولية بالأدلة الملموسة ومنها دراسة أجراها علماء بريطانيون على عيّنات من حفر أحدثتها قنابل إسرائيلية أثبتت وجود نشاط إشعاعي بنسبة مرتفعة، ما يشير إلى استخدام أسلحة تحوي مادة اليورانيوم.