سلامة وشركاؤه لن يمثلوا أمام القضاء الأوروبي: ابتذال "السيادة"

قُضي الأمر، حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة لن يمثل أمام القضاء الفرنسي. وأقنع نفسه أنه نجح في الإفلات من جلسته المحددة يوم غد الثلاثاء 16 أيار، في العاصمة باريس، بعدما تمسّك بخدعة قانونية مكشوفة.

ومن السفاهة القول إن الحاكم لا يملك أي معلومات عن موعد جلسته الفرنسية، إذ أن القاضية الفرنسية أود بوروسي أبلغته بموعد الجلسة خلال استجوابه في بيروت، ولكن قاضي التحقيق الأول، شربل أبو سمرا رفض طلب بوروسي، وطلب منها إرسال استنابة قضائية ليتولى بنفسه هذه المهمة.

فكيف أبلغ سلامة؟
وهنا يجب أن نؤكد أن مصادر "المدن" أوضحت أن سلامة رفض استلام تبليغه، لعدم وجود إشارة (توقيع) القاضي أبو سمرا عليه. فيما مصادر أخرى مطلعة على آلية التبليغ شرحت لـ"المدن" الأسباب التي أدت إلى تعذر تبليغه، قائلةً: "في الثامن من أيار الجاري، توجهت دورية من ميناء الحصن نحو المصرف المركزي لإبلاغه، ولكن الحاكم لم يكن موجوداً".

وفي التاسع من أيار الجاري، توجهت الدورية نحو المصرف المركزي، ولم تجد الحاكم أيضاً، بسبب التحرك المطلبي لجمعية صرخة المودعين أمام المصرف المركزي في هذا اليوم.

وفي العاشر من أيار الجاري، صرح مسؤول الأمن أن سلامة خرج من المصرف المركزي باكراً بسبب اجتماع طارئ. وفي الثاني عشر من أيار الجاري، أكد مسؤول الأمن أن الحاكم "كان هنا وغادر منذ قليل".

فار من العدالة؟
جميع المعطيات داخل قصر العدل تشير إلى أهمية الجلسة الفرنسية غداً، خصوصاً أن القاضية الفرنسية أود بوروسي تعلم جيداً أن الحاكم تهرّب من  جلسته مخافةً من توقيفه وإدانته.

 لذلك، رياض سلامة بين احتمالين، وبوروسي وحدها سيدة القرار. فإما ستحدد له جلسة أخرى، ليعاد تبليغه بموعدها الثاني، وهو الأمر المستبعد حالياً. أو ستُتخذ بحقه إجراءات قضائية طوال هذا الأسبوع.

ومن المتوقع أن تصدر مذكرة توقيف تُعمم عبر الإنتربول بواسطة النشرة الحمراء، والتي ستعني أن الحاكم سيعتبر "فاراً" من العدالة وملاحق دولياً.

وجميع المعطيات تؤكد أن "سرعة" القضاء الأوروبي أرعبت عائلة سلامة وماريان الحويك، خصوصاً مع اقتراب موعد الإعلان عن الإجراءات القضائية المتخذة بحقهم.

 من أجل ذلك، تحاول عائلة سلامة اليوم التنقيب عن حلول سحرية وسريعة، كإيجاد المخارج القانونية التي تؤدي إلى عرقلة التحقيقات الأوروبية، زاعمة أنها تحاول "الدفاع عن سيادة لبنان وسط مطالبتها باستقلالية القضاء اللبناني".

وببساطة، ضاقت سبل النجاة على الشقيقين سلامة ومعهما الحويك، ولم يعد أمامهم إلا التمسك بالقضاء اللبناني لحمايتهم. خصوصاً أن السلطة السياسية بارعة في حماية الفارين من العدالة والفاسدين.

واللافت اليوم، أن القضاء اللبناني ساهم في حماية سلامة مرات عديدة، وبطرق مختلفة ومن بينها: "المماطلة والمراوغة في ملف الادعاء اللبناني، منع الدولة اللبنانية من المطالبة في حقها من أموال سلامة، والتذرع بعدم القدرة على تبليغه موعد جلسته الفرنسية..".

وما أظهرته الدفوع الشكلية اليوم، أدت إلى إثبات جميع المعلومات المذكورة أعلاه. فصباح اليوم، الإثنين 15 أيار، قدّم الفريق القانوني للشقيقين سلامة والمساعدة ماريان الحويك، دفوعاً شكلية أمام النيابة العامة التمييزية، علماً أنها من المفترض أن تقدم أمام القاضي أبو سمرا على اعتبار أنه المسؤول عن هذا الملف.

مطالب واضحة
ومضمون الدفوع الشكلية واضح، فالفريق القانوني يطالب "بنقل إجراءات الملاحقة بجميع الجرائم الأصلية، وتركيزها في لبنان وأمام قاضي التحقيق الأول في بيروت القاضي شربل أبو سمرا من أجل تحقيق مبدأ حسن سير العدالة في هذا الملف".

وأيضاً، المطلب الثاني هو "أن يطلب القاضي شربل أبو سمرا من القضاة الأوروبيين تعليق تحقيقاتهم لحين انتهائه من التحقيقات المتعلقة بالجرائم الأصلية المزعومة في ملف فوري وغيرها".

ومطلب عائلة سلامة والحويك الأساسي هو منع الوفود الأوروبية من التوسع في تحقيقاتها، ورغبتهم في المثول أمام القضاء اللبناني عوضاً عن القضاء الأوروبي.

وبالرغم من أن الاتفاقيات الدولية أجازت للدول الأوروبية ملاحقة قضايا الفساد، لكن وفقاً للفريق القانوني الخاص بالأخوين سلامة والحويك، فإن "الوفود الأوروبية تتدخل في مواضيع تقع ضمن صلاحية القضاء اللبناني".

ومعنى هذا الكلام، أن تهم تبييض الأموال واختلاس المال العام هي جرائم تخصّ مؤسسة لبنانية عامة، أي مصرف لبنان المركزي، لذلك يجب أن تخضع لأحكام القانون اللبناني ولا يحق للدول الأوروبية التدخل!

وهي ليست المرة الأولى التي يحاول سلامة أن يقنع القضاء اللبناني بـ"تعدي القضاء الأوروبي على السيادة اللبنانية". ففي المرة السابقة اعترض أيضاً أمام أبو سمرا على تدخل الوفود الأوروبية بملفه.

لذلك، وانطلاقاً من "خوف" الحاكم على"استقلالية القضاء" و"سيادة لبنان"، يمكن القول أن الفريق القانوني للشقيقين سلامة والحويك، يحاول تحديد المتابعة القضائية التي تناسب موكليهم، وربما يصح القول هنا أنهم يرغبون بمحاكمتهم بالشروط التي تناسبهم!

ومن الواضح اليوم، أن رياض سلامة، لا يرغب بأن يحاكم محاكمة علنية، ويعترض على حضور الوفود الأوروبية إلى بيروت لاستجوابه. ولكنه يتقبل فقط أن يتم تبادل المعلومات بين القضائين اللبناني والأوروبي، شريطة منعهم من اتخاذ الإجراءات القضائية بحقه.

وماذا بعد؟
أظهرت معطيات "المدن" أن السبب الرئيسي في هروبه من جلسة استجوابه الفرنسية، هو تعرضه "لتهديد سابق" وواضح من بوروسي أثناء جلسة استجوابه. حين هددته بإصدار مذكرة توقيف بحقه في فرنسا وتعميمها على الإنتربول ومنعه من دخول فرنسا ومن زيارة أولاده.

ويمكن القول أن الشقيقين سلامة والحويك، ممعتضون من جلسات استجوابهم العلنية، حين شاركت فيها مجموعة قضاة من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وبلجيكا. وبرأيهم، جلستهم القضائية تحولت إلى مسرحية بحضور مجموعة كبيرة من المشاهدين.

لذلك، ترتكز مطالب عائلة سلامة على "أهمية الحفاظ على سرية التحقيقات وعدم تسريبها إلى وسائل الإعلام. فهذا الأمر يلحق الضرر بهم ويطال كرامتهم. كما أن تقسيم التحقيقات بين مجموعة من الدول الأوروبية قد تحرمهم من البراءة".

باختصار، في الدول الأوروبية، يُحاكم الفاسد أو ناهب أموال الدولة في حال أثبتت تهمته، محاكمة علنية، فتفرض عليه العقوبات، ويُزجّ في السجن. ولكن في لبنان، يُحمى ويُهرّب وتُصان أمواله! وهذا ما يراهن عليه رياض سلامة وشركاؤه.