سلام إلى عين التينة وحزب الله إلى بعبدا: ماذا بعد الجلسة؟

لا تزال جلسة الحكومة الأخيرة وما انتهت إليه من إقرارٍ مبطَّنٍ لخطة الجيش بحصرية السلاح بيد الدولة موضع متابعة. كان اللعب على المصطلحات مخرجًا مناسبًا للجميع، وقد أمَّن نزع فتيل الأزمة التي كادت أن تطيح بالحكومة وربما بالعهد أيضًا لو أُقرت الخطة في سياق آخر. كل ما حصل كان عبارة عن عملية إخراج لمشهدية منسَّقة بين بعبدا وعين التينة. نجاح الصيغة السحرية التي انتهت إليها الجلسة جعل البعض يدّعي أنه "أمّ الصبي"، الذي سهر على صياغة الورقة التي أقرتها الحكومة. علمًا أن الصياغة أُنجزت في بعبدا بالتشاور مع الثنائي، الذي اقترح بعض التعديلات فوافقت بعبدا على جزء منها، فيما رفضت أخرى، كما رفضت استبدال مقطع كامل في الورقة يتعلّق بالاستراتيجية الدفاعية.

يُسجَّل لبعبدا نجاحها في إنقاذ العهد واستيعاب الثنائي وملاقاته في منتصف الطريق. بحنكة، يحرص رئيس الجمهورية جوزاف عون على الحفاظ على العلاقة مع الثنائي والاستعانة على الاختلاف معه بالحوار. ويُسجَّل لرئيس مجلس النواب نبيه بري نجاحه في إدارة معركة حصرية السلاح، إذ عطَّل أحد الفصول التنفيذية للقرارين الحكوميين، وأوقف الاندفاعة التي كانت ستؤدي إلى المجهول. وكرّست زياراته إلى بعبدا، ثم استقباله قائد الجيش العماد رودولف هيكل، واستعداده لاستقبال رئيس الحكومة نواف سلام اليوم، الذي تريث في استقباله قبل جلسة الحكومة، انتقالًا من موقع الاحتواء إلى موقع المبادرة. وحين نقول إنه عطّل مفاعيل أزمة، فذلك استنادًا إلى الشارع الذي كان مقررًا أن يشهد تحركات بالجملة وفي أكثر من مكان احتجاجًا على أي قرار "مستفز" من الحكومة وقد كان كلام بري واضحاً في هذا المجال.

وكما كان التنسيق في الداخل، كذلك في الخارج، حيث لم يكن الوفد الأميركي بعيدًا عن أجواء بعبدا، فيما كانت الرياض على علم بالمخارج عبر مسؤول ملف لبنان الأمير يزيد بن فرحان.

 

بري- هيكل والعودة الى اتفاق تشرين

وترجمةً لقرار مجلس الوزراء، زار هيكل عين التينة ناقلًا لبري تفاصيل خطته والعقبات التي تعترض تنفيذها. الخطة تبدأ من جنوب الليطاني، ثم من الليطاني إلى الأولي، يليها بيروت وضاحيتها الجنوبية ثم البقاع، وتشترط وقف العدوان لنجاح خطواتها. أكثر من رسالة تطمينية بعثها الجيش إلى الثنائي؛ ففي لقائه الأول، وضع هيكل رئيس المجلس في كامل تفاصيل ما ينوي الجيش فعله، واتفقا على استمرار التشاور استباقًا لأي خطوة. وفي جلسة الأمس تم الاتفاق على أن الأولوية هي لوقف النار والانسحاب والعودة إلى اتفاق تشرين الثاني 2024.

بعد الجلسة الحكومية، يطرح السؤال الملحّ: ما المرحلة المقبلة لما بعد خطة الجيش وبيان بعبدا؟ تفسيرات بالجملة، لكن العيون كلها شاخصة باتجاه حزب الله. في حديثه لإذاعة النور، فسّر رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد قرارات الحكومة بالقول: "هم وجدوا صيغة ما لا تخرجهم من القرار الذي اتخذوه، لكن تفسح في المجال أمام بعض الهامش من الوقت ليروا ماذا سيفعلون في المستقبل. الأمر ليس حلًا ولا فتحًا لأفق، إنما تريّث"، معتبرًا أن سلاح حزب الله شرعي "أكثر من شرعية الحكومة".

في الجلسات المتعددة التي سبقت جلسة الحكومة بين رعد ومستشار رئيس الجمهورية العميد ديديه رحال، جرى الاتفاق على استمرار الحوار والنقاش ريثما يتم التوصل إلى صيغة ما لحصرية السلاح. بينما تعتبر بعبدا أنها قدّمت تنازلات للثنائي، وقد آن الأوان للتجاوب ولو بخطوة مقابلة، وهي باشرت فعلًا بإعداد خطة استراتيجية دفاع وطني لا تقتصر على حصرية السلاح، بل تقترن بتصور اقتصادي شامل.

لكن مرونة حزب الله حيال بعبدا لم تمنع رعد من إبلاغها صراحة بوجوب الأخذ في الاعتبار أن تسليم السلاح غير وارد، وأن الحزب غير خاضع للتسويات ما لم تتوقف إسرائيل عن عدوانها وتنسحب من المناطق التي لا تزال تحتلها. ويعتبر الحزب أن الحكومة وضعت الكرة في الملعب الإسرائيلي بالورقة التي أقرتها، بحيث بات عليها أن تمتثل لبنود الاتفاق الذي التزم لبنان تنفيذها من طرف واحد.

 

حزب الله إلى بعبدا

وبعد بري، يستعد وفد من حزب الله برئاسة رعد لزيارة رئيس الجمهورية، الذي يطلب من الحزب حوارًا مباشرًا حول الاستراتيجية الدفاعية، لا عبر الوسطاء، اختصارًا للوقت وضمانًا للخروج بنتائج عملية وسريعة.

اتصالات الداخل جاءت بموازاة عمل تولته الولايات المتحدة عبر موفدتها مورغان أورتاغوس، التي شكّل حضورها في الناقورة تفعيلًا لعمل لجنة الميكانيزم وصلاحياتها لتكون إلى جانب الجيش في تنفيذ خطته وإعداد تقارير بهذا الشأن، وهو ما ترغب به واشنطن منذ كانت تعارض التمديد لوجود اليونيفيل، التي تعتبرها فشلت في الحد من تمدد حزب الله في الجنوب. الضغوط لم تنتهِ بعد، غارات إسرائيل على البقاع بمثابة رسائل قد تتكرر.