سنة أخيرة لـ"اليونيفيل" قد تطوي إيجابيات أيضاً!

على وقع أول إشارة من الموفد الأميركي توم براك لطهران في معرض حديثه من القصر الجمهوري في بعبدا عن تقدير خطوة الدولة اللبنانية في اتجاه حصر السلاح يوم الإثنين، إلى "تسلسل الخطوة خطوة، وكيف نجعل إسرائيل تتعاون وكيف نجعل إيران تتعاون، في نهاية المطاف إيران ما زالت دولة مجاورة، إذاً على الجميع أن تكون له مشاركة ودور في ذلك"، تبرز تساؤلات في ضوء عدم رغبة الولايات المتحدة في اهتزاز الاستقرار اللبناني، عما إذا كانت زيارة الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني الاستفزازية قد فعلت فعلها، فبلغت مفاعيلها واشنطن.

فهي جذبت انتباه العاصمة الأميركية، من زاوية أنها على رغم الواقع الصعب الذي تعيشه في المنطقة وفي الداخل الإيراني، لا تزال تمسك بأوراق تهدد بها، وليست مستعدة للتخلي عنها، بل تشددت فيها تحت وطاة خسارتها الإستراتيجية الكبيرة لسوريا.

ما قاله براك عن إيران يستكمل المقاربة المرنة جدا والاستيعابية للطائفة الشيعية بما يسمح باستنتاج احتمالات تبدأ من إغراء إيران بجزرة على قاعدة عدم استبعادها وعدم تركها جانبا، توازيا مع تحميلها مسؤولية. البعض اعتبر إشارة براك إلى إدخال إيران في المشهد اللبناني استيعابية احتوائية من جهة، إنما من دون إغفال هؤلاء الخشية من تقوية هذا الموقف لإيران  فتستخدم لبنان ساحة لها في تكرار لموقف اعتمده لاريجاني في بيروت وحتى بعد مغادرته، وتلقيه ردا حازما من رئيسي الجمهورية والحكومة ورافضا تدخل إيران في الشأن اللبناني.

وعلى رغم ذلك، كرر لاريجاني التأكيد أن "السلام في المنطقة لا يستقر من دون سلاح المقاومة، لأنه لن يكون هناك أي قوة قادرة على ردع إسرائيل، ومن من دون هذا السلاح لن تكون هناك قوة قادرة على تحقيق التوازن في المنطقة". وتستطيع إيران، بإمساكها بورقة الحزب في لبنان، تعطيل الأهداف الأميركية لناحية ضمان استقرار المنطقة، على رغم الضعف الذي أصاب الحزب وطهران، فيما يفاوضان على مكاسب لكليهما.

وقد ترددت معلومات عن ارتياح رئيس مجلس النواب نبيه بري مع الوفد الأميركي الذي ضم براك ومورغان أورتاغوس والسفيرة الأميركية ليزا جونسون، على عكس الجفاء العلني والتوتر الذي أوحى به قبل وصوله.

الإقرار الأميركي بإضافة إيران إلى المشهد اللبناني، تكشف تعقيداته المحطات المرتقبة، وأقربها خطة الجيش اللبناني لحصر السلاح قبل نهاية الشهر الجاري، وطغيان موضوع التمديد للقوة الدولية في الجنوب سنة واحدة وأخيرة.

وتساور الشكوك الكبيرة الكثيرين في إمكان تنفيذ مسار حصر السلاح في ظل مناورات سياسية متواصلة وإعادة استنهاض الموتى من الأحزاب والتنظيمات والتدخل الإيراني ومصلحته وتلاقيه مع مصلحة إسرائيل أيضا، ما لم تتبلور خريطة طريق مفصلة من أجل تنفيذ هذا المسار بمساعدة أميركية في الدرجة الأولى، وبعدها لبنان بمشاركة الثنائي الشيعي إذا أمكن، لئلا يبقى في موقع رد الفعل فحسب.

والواقع أن لبنان متجه إلى استحقاقات متسارعة يواجهها على خلفية هذا المسار، وفي مقدمها إعلان العدّ التنازلي لإنهاء ولاية "اليونيفيل" جنوبا. فمع أن مبررات منطقية تؤكد استمرار حاجة لبنان إلى هذه القوة التي تدير منطقة عازلة بينه وبين إسرائيل وتخفف وطأة الالتباسات بينهما، ترى أوساط سياسية في لبنان إيجابيات في إنهاء مهمتها في المدى المنظور، افتراضا لمنطق عدم الحاجة إليها في حال تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل. والحال أن لبنان العائد مبدئيا إلى سيادة الدولة وسلطتها على كل أراضيها، يحتاج إلى مظهر سيادي هو تولي مسؤولية الحدود اللبنانية مع إسرائيل للمرة الأولى منذ عقود، بما يفترض حكما مصلحة لبنان في العودة إلى المطالبة بتفعيل اتفاق الهدنة مع إسرائيل والعمل في سبيل الوصول إليه خلال هذه السنة، حتى لو سعى لبنان وبعض الدول إلى ترك إمكان العودة إلى التمديد لاحقا مفتوحا إذا فشل هذا المسار أو تأخر. والأمر نفسه ينسحب على حتمية السعي إلى ضمان الخارج المساعدة الجدية الكبيرة في بناء قدرات الجيش وزيادة دعمه ليتمكن من بلوغ القدرة على الحفاظ على الواقع الجديد بمفرده في الجنوب، توازيا مع توليه نزع السلاح غير الشرعي شمال الليطاني وتأمين الحدود السورية اللبنانية.