سوق الشيكات المصرفية ينشط من جديد والسبب... نفسي!

يبدو لافتاً استئناف سوق الشيكات المصرفية نشاطها، بيعاً وشراءً، بمعزل عن أي مستجدات فعلية على مستوى القطاع المصرفي أو مصرف لبنان وفي ظل غياب أي معطيات قد تشي بفتح الطريق أمام الشيكات المصرفية المسحوبة على حسابات مصرفية سابقة أي حسابات الدولار المصرفي (اللولار).
خلال السنوات الأولى للأزمة المالية نشطت عمليات شراء الشيكات المسحوبة على حسابات مصرفية مُحتجزة، وتركّزت بداية أهداف عمليات بيع وشراء الشيكات على تسديد القروض المصرفية والوفاء بديون مستحقة. فكانت تُباع الشيكات مُقتطعة بما يفوق نسبة الإقتطاع من سعر صرف الدولار المصرفي، فبدأت من اقتطاع نسبة 25 في المئة إلى اقتطاع قرابة 90 في المئة حالياً. بمعنى يعني أن يتقاضى صاحب الشيك المصرفي نسبة من أمواله المحتجزة بالمصرف لا تزيد عن 10 في المئة أو 10.50 في المئة من قيمتها نقداً بأحسن الأحوال.
أدت تلك العمليات إلى سداد قروض وتحرير ودائع وسداد مستحقات وغير ذلك، في مقابل خسارة المودع القيمة الأكبر من أمواله المودعة لدى المصرف. وفي العام 2023 تراجعت نسبة التداول بالشيكات المصرفية بالدولار المصرفي إلى الحدود الدنيا لأسباب عديدة بينها ضبط تداولها من قبل مصرف لبنان والتضييق عليها من قبل المصارف في سبيل لجم عمليات الإتجار بشيكات اللولار.
اليوم نرى مسألة التداول بشيكات اللولار تعود إلى الواجهة من جديد، على الرغم من استمرار الضوابط والقيود نفسها على عمليات الإتجار بها، فما هي الأسباب التي تقف وراء استئناف الطلب على شراء الشيكات المصرفية لحسابات اللولار؟

ضوابط المصارف مستمرة
تستمر الغالبية الساحقة من المصارف اللبنانية بالتشدّد في فرض الضوابط على تداول الشيكات المصرفية منعاً للإتجار بها، ولكنها لا تمنع كلّياً عمليات الإيداع والتداول إنما ضمن شروط محدّدة وقاسية. وعلى الرغم من أن بعض المصارف تمنع كلّياً التداول بشيكات مصرفية بالدولار المصرفي وتمنع على عملائها إيداع شيك مصرفي مهما كان مصدره إلا أن العديد من المصارف تستمر بفتح باب الإيداع والتداول بتلك الشيكات وفقاً لشروط محدّدة.
وبحسب جولة اتصالات لـ"المدن" على أكثر من مصرف تبيّن أن البعض من المصارف ومنها بنك بيروت وبنك بيبلوس وبنك البحر المتوسط وسواها "لا تستقبل شيكات بالدولار المصرفي من حيث المبدأ باستثناء سداد قرض وبعض الحالات الضيقة جداً وضمن شروط محدّدة منها ان يتم التعريف بهوية مُصدر الشيك وألا يكون هناك تكراراً في تحرير الشيكات للشخص نفسه وأن يكون ذو ثقة من قبل المصرف". ويقول مصدر مصرفي بأن المصارف لم تغلق الباب كلياً بوجه إيداع الشيكات إنما تعمد إلى ضبط عملية تداول الشيكات وعرقلة الإتجار بها.
وكان لافتاً أنه ورغم التدابير المصرفية الحاسمة وعرقلة عمليات الإتجار بالشيكات، يعترف أكثر من مصدر مصرفي أن حركة التداول بشيكات اللولار استأنفت نشاطها، ويقول أحد المصادر "إن حركة بيع وشراء الشيكات قد نشطت منذ قرابة الشهر فقط، بعد أن تراجعت بشكل ملحوظ جداً في النصف الأول من العام الحالي". مع الإشارة إلى أن إجمالي عدد الشيكات المتداولة باللولار تراجع إلى 151 ألف شيك هذه السنة، لغاية شهر أيلول، مقارنة بـ 353 ألف شيك خلال نفس الفترة من العام الماضي.
ويرجّح المصدر أن ترتبط عملية استئناف بيع وشراء الشيكات بالفهم الخطأ من قبل بعض العملاء لتعديل التعميم 166 الأخير. ففي التعديل الأخير يتيح مصرف لبنان لكل صاحب حساب تم إغلاق حسابه وتسليمه شيكاً مصرفياً أن يعيد الشيك إلى المصرف. يقول المصدر "ظن الكثيرون بأنه يمكنهم إيداع شيكات مصرفية والإستفادة من التعميم 166 لكن ذلك غير صحيح". مؤكداً توجه العديد من العملاء إلى المصارف للسؤال حول إمكان التداول بشيكات الدولار المصرفي "اللولار".

العوامل نفسية!
وإذ يؤكد مصدر مصرفي لعب العامل النفسي دوراً في إحياء سوق الشيكات المصرفية، يشرح الخبير المصرفي خالد شاهين في حديث لـ"المدن" العوامل والمؤشرات التي دفعت بالعملاء إلى التفاؤل واستئناف شراء الشيكات المصرفية. ويعزو الإقبال على شراء الشيكات إلى عامل نفسي سببه إشارات عديدة، الأولى ترتبط بارتفاع الاحتياطي لدى مصرف لبنان الذي ارتفع وتجاوز 10 مليارات دولار، وهو ما يوحي باحتمالات أن يقوم مصرف لبنان بالمرحلة المقبلة بتحرير جزء من الودائع باعتقاد شريحة من العملاء.
العامل الآخر يتمثّل بالتعديلين اللذين صدرا عن مصرف لبنان للتعاميم 158 و166 ورفعا مستوى التفاؤل لدى العملاء بأن مصرف لبنان يقوم بالدفع باتجاه تجاوب المصارف تدريجياً. العامل الثالث دخول سندات اليوروبوندز اللبنانية على خط المضاربات والشراء الأجنبي وهو ما أوحى للعملاء في لبنان بأنه ثمة إشارات إيجابية لا بد من تلقّفها. أما العامل الرابع فيتمثّل بالتفاؤل بنهوض البلد عقب كل حرب والشروع بإعادة إعماره. تلك العوامل مجتمعة خلقت حالة "نفسية" لدى العملاء تعكس توجهاً "مفترضاً" لمرحلة جديدة تقوم على تسديد أعلى للودائع.
بالمقابل، وبحسب مصدر من مصرف لبنان يقول بأنه ليس هناك من عوامل فعلية على الإطلاق لزيادة سقوف الحسابات أو تعديل سعر صرف الدولار المصرفي حالياً. وعما إذا كان يتّجه إلى ذلك في المرحلة المقبلة يقول في حديث لـ"المدن" بأن لا وجود للمرحلة المقبلة بالاقتصاد اللبناني إنما هناك اقتصاد مبهم، رمادي اللون، لا وضوح، لا مستقبل واضح، "من هنا لا يمكن أن يعدّل مصرف لبنان سعر الصرف حالياً لا بالخفض ولا بالرفع تجنّباً لإحداث خضة بالسوق".