سيناريوهات إسرائيلية "بصوت عالٍ" تزيد "حبس الأنفاس" في لبنان

غداة التطور الخطير الذي شكّله تنفيذُ اسرائيل غارتيْن في منطقة الغازية، جنوب صيدا، ارتسمتْ مخاوفُ من مسارٍ جديد قد تكون تل أبيب تعمل على إرسائه في سياق الارتقاء بالمواجهة مع «حزب الله» والتي باتتْ أقرب إلى «مَن يصرخ أوّلاً» في ملاقاةِ الأرضية الديبلوماسية التي تشقّ طريقَها في «حقل ألغام» لتوفير ركائز تسمح بـ «صيانةِ» مرحلة ما بعد حرب غزة على جبهة لبنان و«تصفيحها» بترتيباتٍ أمنية – عسكرية مستدامة.

وبمعزل عن طبيعة ما استهدفتْه تل أبيب أول من أمس في الغازية والذي أعلنت أنه مستودعات أسلحة لـ «حزب الله»، في مقابل صمت الحزب وكلام وسائل إعلام قريبة منه أن الغارتين طاولتا مستودعاً تابعاً لمعمل لصناعة المولدات، ومستودعاً آخر تابعاً لمعمل لتصنيع الحديد، فإنّ البُعدَ العميق لهذا التطور بدا أبعد من جغرافيته والعنوان الذي وُضِع تحته، وهو ما يصبح أكثر وضوحاً إذا تمّ ربْطه بالفيديو الذي نشره «معهد ألما» للدراسات الإسرائيلية عن طريقٍ عسكريّ من حدث بعلبك (البقاع) إلى البحر عبر القرى الشيعية في قضاء جبيل (ذات الغالبية المسيحية) ويمكن استخدامه لإطلاق مسيّرات أو صواريخ «فاتح 110» و«خيبر 1» التي يصل مداها لحوالي 150 كيلومتراً ثم تفادي «حزب الله» أن يكون في مرمى غارات الردّ الاسرائيلية عبر الاختباء في «بنية تحتية مدنية» حدّد الشريط إحداها وسماه «نفق جنّة».
ورسم الفيديو مسارَ هذا الطريق الذي يمرّ في جرد العاقورة وجرد كسروان الفتوح، عبر شريط من القرى الشيعية المتصلة ابتداءً من جسر افقا، ولاسا، وعلمات، وفرات، والصوانة وحصون، وراس اسطا وصولاً إلى ساحل جبيل وعمشيت.

وأبدت أوساط سياسية تخوّفاً كبيراً من «مخطط خبيث» تمهّد له وتعمل عليه اسرائيل حيث ينشط «العصف السياسي» حول كيفية «تحييد خطر حزب الله» على حدودها الشمالية وهل يكون ذلك:

* بالوقوف وراء مقترحاتٍ، أميركية وفرنسية، سُميتْ من خبراء اسرائيليين «فكرة مضللة»، وتتقاطع عند انسحاب الحزب مسافةً محددةً عن الحدود، وهو ما نُقل عن ساريت زيهافي، مؤسِّسة ورئيسة مركز ألما للتعليم والأبحاث، أن «لا معنى له» باعتبار «انهم ليسوا جيشاً خارجياً سيطر على المنطقة، إنما مقاتلوه يعيشون هناك، فكيف ينسحبون من منطقة يعيشون فيها؟ إنهم متحصنون في القرى وصواريخهم مخبأة داخل منازلهم».

- وهل بحربٍ واسعة لتدمير نحو 200 ألف صاروخ يملكها الحزب، كما قال محللون اسرائيليون، اعتبروا مثل هذا الأمر مستحيلاً ويسبّب «انهيار اسرائيل مالياً».

- وهل بحربٍ على الدولة اللبنانية «وتدمير كل البنى التحتية للدولة من اتصالات وطاقة ومواصلات،لأن ذلك سيكون كارثة على حزب الله، وبالتالي فإن الطريقة الوحيدة لردع الحرب، هي الإعلان عن مواجهة بين إسرائيل ودولة لبنان، والانتصار فيها معقول بالنسبة لتل أبيب».

وعلى وقع هذه السيناريوهات التي يجري تداولها، برزت الخشيةُ من أن يكون ما حصل في الغازية، وربْطه اسرائيلياً بمستودعات أسلحة للحزب في منطقة صناعية، ثم الفيديو عن مواقع محتملة لإطلاق صواريخ بعيدة المدى من «منطقة آمنة» تربط وادي البقاع بالبحر عبر جرد جبيل خصوصاً، في إطار تمهيدٍ لضربات في جبل لبنان وأقضية فيه ذات غالبية مسيحية، أو أقلّه تظهير مثل هذا الاحتمال الخطِر بهدف تأليب الرأي العام المسيحي على «حزب الله» عبر الإيحاء بأن مناطقهم باتت بمثابة «دروع» للحزب في حرب المشاغَلة، التي تمضي تل أبيب في توسيع رقعتها الجغرافية و«تنويع» ضرباتها في سياقاتها التي تتصاعد المخاوف من أن تكون اقتربتْ من لحظة الخروج بالكامل عن الضوابط وقواعد الاشتباك التي لا تنفكّ تتمدّد.

وفي حين يسود انطباع بأن «حزب الله» بات محشوراً بين ضوابط يضعها لنفسه في أي ردّ على اسرائيل وعلى رفعها درجات التصعيد، وترتبط في جزءٍ منها بالاعتبارات الإيرانية التي تحاذر أي جرّ لطهران إلى«فوهة بركان»غزة والتي باتت واشنطن«في صورتها»، وبين إدراك تل أبيب هذا الواقع و«اللعب على أساسه» للإمعان في ضرباتٍ مؤلمة وتنويع استراتيجية الاستهدافات «العسكرية والنفسية»، فإن المشهدَ الداخلي اللبناني الانقسامي حيال جدوى فتْح جبهة الجنوب بات يشكل في ذاته مؤشّراً إلى المخاطر التي قد تترتّب على أي اتساع لرقعة الحرب التي سبق للأحزاب المسيحية المُعارِضة أن رفعت لا بالصوت العالي لها، قبل أن يبرز موقف «عدمِ تغطيةٍ» لها من حليف «حزب الله» مع وقف التنفيذ، أي «التيار الوطني الحر».