سيناريوهات عدة لإنقاذ العام الدراسي

يواجه نظام التعليم في لبنان تحدّيات عدة، تفاقمت مع الأزمة الاقتصادية في البلاد، واستفحلت اليوم مع اندلاع الحرب في لبنان مع تحوّل المدارس الرسمية إلى مراكز إيواء للنازحين، مما حال دون تمكّن عدد كبير من الطلاب من متابعة دراستهم، فيما يبقى خوف اللبنانيين الأكبر على مستقبل هذا الجيل، الذي تلاحقه المصائب، من الأزمة الاقتصادية إلى كورونا، وصولاً إلى الحرب وتداعياتها الخطيرة على السنوات المقبلة. 

وعلى وقع تواصلها، قررت وزارة التربية إعادة فتح المدارس الخاصة بدءاً من الرابع من الشهر المقبل؛ وبالتزامن، العمل على إيجاد خطة تتماشى مع طلاب المدارس الرسمية. فما هي هذه الخطة؟ وهل ستكون قابلة للتطبيق؟

2500 درس جهّزوا على منصّات تعليمية

تعتبر رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء هيام إسحق أن "الظروف صعبة اليوم مع استعمال 75 في المئة من المدارس الرسمية كمراكز إيواء للنازحين، ووجود 45 ألف أستاذ خارج نطاق مراكز أعمالهم أو مناطقهم، و546 ألف تلميذ نازح".

وأضافت في حديث لـ"النهار" أن "وزارة التربية والتعليم العالي تقوم اليوم بجمع الداتا من مراكز الإيواء كي تتمكّن من العمل وفقاً لخطتها، وتكون المدارس جاهزة لاستكمال التعليم في الرابع من الشهر المقبل".

تابعت: "نقوم بتحضير مراكز بديلة لتعليم الطلاب النازحين لكي ينطلقوا بصفوفهم حضورياً أم عن بعد، مع السعي لتأمين الموارد الرقمية والخطط الاستراتيجية".

وعن السيناريوهات المحتملة لبدء العام الدراسي من جديد، تضيف إسحاق أن "السيناريو الأول هو تأمين مدارس بديلة للطلاب لمباشرة الدروس فيها حضورياً مع أساتذة في داخل الصفوف ضمن دوامات متعددة، قبل وبعد الظهر. أما السيناريو الآخر فهو التعلّم عن بعد للطلاب الذين لا يستطيعون الوصول إلى المدارس لأيّ سبب كان، علماً بأنه لا يوجد سيناريو دمج للطلاب في المدارس الخاصة. ولكن الأخيرة عليها أن تشارك في تقدمة المباني للنازحين في فترات بعد الظهر".

وعلى وقع هذه السيناريوهات، قالت إسحاق إنَّ "المركز التربوي يعمل على إنتاج موادّ أو دروس رقمية سيتم وضعها على منصات تعليمية لتسهيل عملية التعليم بالنسبة إلى الأساتذة أو الطلاب، وتمّ إنتاج حتى الآن ألفين وخمسمئة درس، ستوضع كلها يوم الإثنين المقبل على تطبيق "مدرستي"، وسنستكمل إنتاج الدروس المتبقية ضمن 18 أسبوعاً لاحقاً".

50 مدرسة خاصة مهددة بالإقفال

على وقع الخطة الوزارية، والإعلان عن إعادة فتح المدارس، شُنّ هجوم كبير على وزير التربية عباس الحلبي، الذي - باعتبار البعض - اتّخذ خطوة خطيرة في هذا الوضع، قائلين إنَّه "كان الأجدى به أن يعلن عن إقفال المدارس الخاصة والرسمية في كل لبنان تضامناً مع أطفال الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية".

الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، الأب يوسف نصر، اعتبر في هذا السياق أن "العلم لم يتوقف أنثاء الحروب السابقة على لبنان، لأنه السلاح الوحيد وميزة هذا البلد؛ لذلك قررنا إعادة فتح المدارس في القطاع الخاص واستكمال الرسالة التعليمية".

وأضاف لـ"النهار": "أصبح لدينا خبرة منذ نحو عام مع بدء حرب الإسناد من الجنوب، إذ أعدنا فتح 12 مدرسة جنوباً، وتلقّى التلامذة التعليم عن بعد؛ وكنا قد قررنا قبل بدء التصعيد مجدداً فتحها حضورياً مع بداية السنة. ويجب دائماً إيجاد حلول لاستكمال التعليم بعد إجراء قراءة للوضع بأكمله واتخاذ القرارات التي تعتبر آمنة، وبحسب ظروف كل منطقة، مع إنشاء خليّة أزمة في كلّ مدرسة خاصة".

 

وتابع: "بحسب إحصاءات وزارة التربية، لدينا 50 مدرسة خاصة تحولت إلى مراكز إيواء، ويجب إيجاد بديل لها لاستكمال السنة الدراسة، في ما أصبحت مهددة بالإقفال مع خسارة تلامذتها وكيانها".

وعن خطة وزير التربية الجديدة، فضّل الأب نصر التعاطي معها بإيجابية "وإعطاء فرصة للوزارة للالتمام حول القضية الأسمى وهي التربية والتعليم لإظهار صورة لبنان المقاوم والصامد والقويّ بالفكر والقلم".

"حتى لو تعلمنا تحت الشجرة"

وعن واقع المدارس الخاصة والقريبة من الهجمات الإسرائيلية، تحدثت مديرة المدرسة المعمدانية بيروت، أليس عازار وزير، لـ"النهار" عن التحديات التي تواجهها اليوم في ظل كونها في منطقة المصيطبة في بيروت، حيث كل المداخل المؤدية إلى المدرسة استُهدفت بغارات.

وقالت إنَّه "على الرغم من كل التحديات، قررت المدرسة إعادة استكمال سنتها الدراسية عن بعد، لأن الوضع التربوي اليوم دقيق جداً، خصوصاً مع مروره عبر السنوات الماضية بهزات كثيرة، ولم يتم بعد وضع خطة طويلة الأمد لهذا القطاع، بالرغم من أن الحرب متواصلة منذ عام، وطلاب الجنوب معظمهم من دون مدارس، وأصبحوا متأخرين عن التلاميذ الآخرين في المناهج".

وطالبت بأن "تكون الخطة الجديدة شاملة بحسب كل شخص وكل مؤسسة بحسب حاجتها، وإيجاد حلول سريعة، ووضع التعليم ضمن الأولويات. ويمكن زيادة أشهر السنة الدراسية، وإلغاء بعض الأعطال السنوية، لتحصين أطفالنا بالعلم والعمل على الثغرات الأكاديمية، خصوصاً لذوي الاحتياجات الخاصة الذين لا يستطيعون التعلم عن بعد بل يحتاجون إلى اختصاصيين".

وختمت قائلة: "أخطر ما في الحياة التوقف عن التعليم، فهذا أسوأ أمر يمكن أن يحصل في المجتمع، ومن الضروري استكمال عامنا حتى لو أردنا التعلّم تحت الشجرة كما تعلم أجدادنا، بدل أن يبقى نصف المجتمع من دون تعلّم، مما يشكّل خطراً كبيراً على المجتمع اللبناني الذي كان يتغنى بمنظومته التعليمية".

وإلى حين صدور تفاصيل هذه الخطة التعليمية، يبقى الأمل في أن تُتخذ خطوات جدية لإنقاذ القطاع التعليمي الغارق أصلاً منذ سنوات على وقع الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، مع الأخذ بعين الاعتبار الأزمات النفسية، التي يمرّ بها الطلاب، ووضعها في مستهل الخطط الآنية والمستقبلية.