المصدر: النهار
الكاتب: فارس خشان
الخميس 28 تشرين الثاني 2024 07:31:24
ما أشبه حال "حزب الله" هذه الأيام بالنظام السوري بعد هزيمة العام 1967، عندما دعا الجماهير إلى الاحتفال، "لأننا وإن خسرنا بعض الأرض إلّا أن النظام بقي". في الواقع، لا يختلف "حزب الله" عن هؤلاء بشيء، فلسان حاله يقول "خسرنا القادة والمقاتلين وبعض الأرض، ولكن بقي الحزب"!
بمعونة النظام الإيراني، يسعى "حزب الله" إلى تصوير نفسه منتصراً في الحرب التي تسبب بها، "لأنّ إسرائيل لم تستطع أن تحقق هدفها الرئيس بالقوة، بل اضطرت إلى عقد اتفاق مع الدولة اللبنانية، حتى تعيد سكانها إلى منازلهم في الشمال، كما أنّها، على الرغم من كل قوتها النارية والمخابراتية، لم تستطع إنهاء وجوده، وهو هدف غير معلن، كما أنّها، على الرغم مما حشدته من قوات برية، لم تستطع إلا احتلال بضعة كيلومترات من جنوب نهر الليطاني، وثابر هو على قصف إسرائيل، حتى اللحظة الأخيرة، مانعاً إسرائيل من إنهاء قوته الصاروخية".
وسردية الانتصار هذه مصابة بوهن عظيم، إذ إن الحزب في الواقع خسر مصداقيته قبل أن يخسر قياداته ووجوده العسكري الفاعل في جنوب نهر الليطاني، وسقط في "وحدة الساحات" و"تحرير القدس"، وخسر القدرة على إعادة التسلح وفقد شرعية صناعة الصواريخ والمسيّرات كما استيرادها، وخسر التمايز عن الدولة والحصول على حصانتها في الوقت نفسه. في الواقع، خسر "حزب الله" كل شيء عمل لسنوات طوال من أجله.
إذاً، بناء على هذه السردية "الموهومة" يسعى "حزب الله" إلى تصوير مستقبله بعد حرب 2024 كما لو أنّه بعد حرب العام 2006.
هذا التصوّر ليس في مكانه، فكل شيء حالياً يختلف كليّاً عن العام 2006. في "حرب لبنان الثانية" لم يخرج "حزب الله" مهزوماً، بل انهزم لبنان. آنذاك، حافظ "حزب الله" على قياداته العليا، لا بل زاد تألق أمينه العام حسن نصرالله، إذ اكتسب، على الرغم من كل الخسائر المادية والبشرية، بعداً معنوياً، وهو يأمر على الهواء مباشرة باستهداف بارجة إسرائيلية. وخرجت إسرائيل من الحرب، وسط قناعة شاملة، بأنها أخفقت في تحقيق أهدافها المعلنة، على الرغم من الخسائر الفادحة التي لحقت بجيشها، ولكن في هذه الحرب، تخرج إسرائيل، بعدما أبهرت العالم في كل ما أنجزته في لبنان، ولا سيما على مستوى التنسيق بين مخابراتها وجيشها، بدءاً بمطاردة المقاتلين، مروراً بعمليتي تفجير البايجر والتوكي ووكي وصولاً إلى تصفية جميع قيادات "حزب الله" تقريباً. ونجحت في الميدان في فرض معادلاتها، بحيث نظفت الخطين الأول والثاني في جنوب نهر الليطاني، بواسطة قواتها البرية، من الوجود المسلح لـ"حزب الله"، وفجرت أنفاقه وصادرت أسلحته وقضت على مقراته.
بعد حرب العام 2006، لم تكن إيران على ضعفها الحالي، ولم يكن النظام السوري كياناً غائباً عن الوعي، ولم يكن موقع "حزب الله" العربي سيئاً إلى المستوى الذي هو عليه حالياً، إذ يدرجه مجلس التعاون الخليجي في قائمة الإرهاب، مع عدد كبير من دول العالم، وتضعه الولايات المتحدة الأميركية على لائحة المنظمات الإجرامية.
وهذا التغيّر الجذري في الواقع الجيو- سياسي له تداعيات كثيرة على "حزب الله"، فهو سيُمنع من لعب أي دور في ورشة إعادة الإعمار، لأنّ الدول الأكثر قدرة على منح الأموال لن تفعل ذلك، إن كان "حزب الله" سيستفيد من جهة، وسيكون في الواجهة من جهة أخرى.
ومشكلة "حزب الله" لن تكون سهلة مع بيئته، فهو ذهب بها إلى ما يتناقض تماماً مع ما تعهد لها به، حتى إنّه، قبيل اندلاع الحرب بوقت قصير جداً كان قد دعا من غادروا منازلهم في المناطق "الخطرة" إلى العودة إليها، وطلب من الدولة اللبنانية "المخنوقة" أن تتنفس قليلاً، وذلك في سياق تأكيده المستمر أنّ احتمالية الحرب هي احتمالية تهويلية، يطلقها العاجزون. ولم يتوان عن وصف وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت بالمختل عقلياً، لأنه تعهد بشن حرب على لبنان بمجرد أن تخف الضغوط على جبهة غزة. أخذ هذه البيئة على حين غرة إلى حرب دمرت كل مقوماتها.
كان "حزب الله" يعد بيئته بالحماية وبتوفير عوامل القوة لها. أوجد لها خصومات مع كل العائلات اللبنانية، وعندما حان وقت القطاف، تركها تواجه مصيرها بنفسها، مقدماً لها بعض المعونات الممكنة ومجموعة من الشعارات، راشقاً إياها بوعود جديدة.
"حزب الله" ما بعد حرب "سهام الشمال" لا يشبه أبداً ذاك الحزب الذي خرج من الحرب في 2006. آنذاك كان يستعد لإقامة احتفال باستقبال الأسرى المحررين من السجون الإسرائيلية. الآن هو يرجو أن يتم الإفراج عن أسراه وجثث مقاتليه، من دون أن تكون له أي ورقة تفاوضية.
"حزب الله" إن كان يتحضر لشيء فلإقامة تشييع ينصّب فيه قائده التاريخي حسن نصرالله "أقدس الشهداء"!