شرقًا أو غربًا...المفاوضات مع صندوق النقد رهن وقف التهريب والعقوبات الدولية

قبل نحو عام تقريباً، أطل أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله على اللبنانيين ليتحدث عن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد. في تلك الإطلالة، اعتبر أن لبنان يخضع لحصار اقتصادي، "موجه ضد المقاومة" والرد على هذا الحصار وحرب الدولار والعقوبات يكون من خلال "التوجّه نحو الشرق والتعاون مع دولٍ أبدت استعدادها لدرء خطر الجوع عن لبنان، كالصين وإيران وغيرهما".

الكلام السابق حول التوجه شرقاً هو ما تستند إليه اليوم منظومة الحكم... ويحصل ذلك وسط أجواء توحي بالإرتياح الرسمي وعدم التعليق على دخول المحروقات عبر المعابر غير الشرعية وبطريقة التهريب ومن دون تسديد الرسوم عليها مما يثبت أن  فريق العهد يبصم على شعار شرقا در، فيما المفاوضات قائمة لتشكيل لجنة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي. فهل يفتح صندوق النقد أبوابه لمنظومة تعتمد على اسواق شرقية تتعرض دولها لعقوبات؟ 

الأستاذ في القانون الدولي المحامي أنطوان صفير أكد لـ"المركزية" أن لا يمكن للبنان كدولة ان يقول نذهب شرقا او غربا. فلبنان عضو ومؤسس في الامم المتحدة وملتزم بمواثيقها وله علاقات قوية ومهمة مع دول العالم ولا سيما مع المجموعة العربية التي يشكل جزءا منها من خلال عضويته في جامعة الدول العربية. إنطلاقا من ذلك يجب الا يتعامل بالتجارة او بالخدمات مع اي دولة يمكن ان تكون واقعة تحت طائلة عقوبات معينة وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشركات. لان ذلك سيعرضه أيضا لعقوبات. لذلك يجب أن تبقى الدولة اللبنانية بمنأى عن ذلك. فهذا موضوع محدد في القانون ويخرج عن سياق السياسة" . أضاف: "افهم ماذا يعني الذهاب شرقا خصوصا ان الموضوع الإقتصادي أكبر من ذلك ويجب أن يكون شاملا ويتعلق بقدرة الدولة اللبنانية على جذب استثمارات او خدمات من اي دولة لاستنهاض الوضع اللبناني شرط الا تكون من مؤسسات خاضعة لعقوبات".

من ضمن الشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي، ضبط الحدود ووقف عمليات التهريب الذي يستنزف مقدرات الدولة "وقبل تطبيقها لا يمكن التكلم عن أية مفاوضات".

وفي موازاة هذا التناقض المبدئي تبرز جملة ملفات خلافية بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي، منها، المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل لحسم الخلاف الحدودي البحري والبري مع اسرائيل وتمسك فريق العهد بالمرسوم 6433 اي بالنقطة 29، الى لجنة التفاوض والتمسك بخطة التعافي لحكومة حسان دياب كمنطلق للتفاوض، والمفاوضات مع صندوق النقد ويصر عون على رعايتها وادخال مستشارين ماليين محسوبين عليه هما شربل قرداحي ورفيق حداد وليس أخرها التحقيقات في جريمة المرفأ والاشراف والرعاية للمحقق العدلي. وفي هذا السياق يقول صفير: "مما لا شك فيه أن تداعيات هذه الخلافات المسماة استراتيجية ستكون كارثية على لبنان. وما يحكى عن خلافات بين الرئيسين ميشال عون وميقاتي فمن شأن ذلك أن يُضعف موقف لبنان لناحية التفاوض والقدرة للإستحصال على كامل حقوق لبنان التي لها اهمية كبيرة استراتيجية واقتصادية كما ان لها تداعيات على موضوع السيادة الوطنية والقدرة للمحافظة عليها". وكشف أن "بروز هذه الخلافات في أمور استراتيجية إلى العلن سيؤدي إلى نتائج سلبية على لبنان كما يضعف قدرة الدولة اللبنانية على المفاوضة وبالتالي موقف الدول الأجنبية التي يمكن أن تدعم موقف لبنان أو أن تتبنى ملفه، إذا جاز التعبير".

وفي موضوع تشكيل الوفد المفاوض مع الصندوق الدولي أكد صفير "أن الحكومة اللبنانية هي التي تعيّن الوفد الذي يفاوض مع صندوق النقد الدولي ورئيس الجمهورية بصفته رئيسا للدولة ويترأس مجلس الوزراء متى يشاء ويمكنه ان يطرح من تلقاء نفسه أسماء للدخول إلى اللجنة الرسمية التي ستفاوض صندوق النقد بإسم لبنان ولكن لا اعتقد أن خطة الرئيس دياب مقبولة لدى صندوق النقد. من هنا  يجب وضع استراتيجية واضحة في هذا الاطار على أن يكون الحكم والحكومة اللبنانية متمسكين بثوابت معينة ومطالب معينة قابلة للتحقيق انطلاقا مما سيقرره صندوق النقد لأن هامش المفاوضة في هذا الموضوع ليس كبيرا وتشكيل الوفد يجب ألا يتوقف عند نقطة الأسماء إنما ما سيطرحه وقدرة أعضائه على الوصول إلى نتائج ملموسة".

وفي ملف جريمة المرفأ أكد "أن هناك مشكلة كبيرة في السياسة تعيق عمل القضاء والوصول إلى حقائق معينة ونحن امام ازمة اليوم في هذا الموضوع إذ لا يجوز تسييس الملف وإدخال  جريمة بحجم تفجير المرفأ في المتاهات السياسية" ويختم صفير: "الحقيقة مطلوبة وكذلك العدالة في هذا الملف وسواه والا نكون أمام منطق متعثر  بشكل كبير، وهذا ما نلمسه من خلال ما يجري حولنا".