شكوك وتساؤلات حول نوعية اللقاحات في لبنان... فضيحة الماء والملح تعود الى الواجهة

كتبت ليلي جرجس في النهار: 

في تموز 2021، دوّت فضيحة اللّقاحات المغشوشة في البترون على يد المدعوة "س.ز."، التي كانت تحقن المواطنين بأمصال الماء والملح في كافيتريا مستشفى البترون، وفي بيوت المواطنين في البلدات المجاورة. وانكشفت المسألة بعدما أجرى عدد من الأشخاص فحوص المناعة ليتبيّن أنّ درجتها صفر، وأن اللقاح فايزر الذي ظنّوا أنهم تلقّوه لم يكن سوى لقاح مغشوش.

تحوّلت القضية إلى المحكمة الجزائية في بيروت، وتمّ استدعاء بعض الأشخاص، ومن بينهم من بلدية أميون كشهود، والاستماع إلى إفادتهم. ولكن كلّ شيء انتهى هنا، إذ لم يُعرف أيّ شيء عن هذا الملف، ولم نسمع بإصدار أيّ حكم بحق المدعوّة "س.ز.".

هذه الحادثة ليست وحيدة في لبنان، إذ شهدت دول أخرى حوادث مشابهة، مثلما حدث في ولاية سكسونيا السفلى (ألمانيا)، بعد أن أعلنت منذ أشهر أن أكثر من ألفي شخص تقدّموا بطلبات لإعادة تطعيمهم ضدّ فيروس كورونا، بعد ورود تقارير عن اتهام ممرضة باستخدام محلول ملحيّ في التطعيم بدلاً من اللقاحات المخصّصة لذلك.

يؤكّد رئيس بلدية أميون مالك فارس لـ"النهار" أن "القابلة القانونية، التي تمّ توقيفها والتحقيق معها، عملت في اتحاد بلديات الكورة لمتابعة مستجدات كورونا لمدّة 5 أشهر تقريباً، وكانت موظفة دؤوبة في عملها ومخلصة. ولقد تفاجأنا في قضية اللقاح المغشوش، بعد أن أجرى بعض المواطنين فحص المناعة بعد التلقيح ليتبيّن أنهم لم يكتسبوا شيئاً، وأن ما تلقّوه لم يكن لقاحاً فعلياً."

ويُضيف: "كان ابني وابنتي من الأشخاص الذين تلقّوا هذه الجرعات، التي أمّنتها الشابة. وبعد الكشف عن هذه القضية، تمّ استدعاؤنا كموظفين في البلدية تلقّوا هذه اللقاحات إلى المحكمة الجزائيّة في بيروت للإدلاء بشهادتنا، علماً أنّ هناك نحوَ 17 شخصاً تلقّحوا من قبلها في حين أنّ أهالي البلدة والبلدات المجاورة تلقّوا لقاحاتهم في جامعة البلمند."

انتهت القصة عند هذا الحدّ، ولم يسأل أحد عمّا جرى من بعدها مع هذه الشابة. هكذا انتهت فضيحة الماء والملح مع غيرها من الفضائح، التي تنكشّف، ثمّ تختفي مثلما ظهرت. وقد تناقل البعض "أنه تمّ إقفال الملف، ولم يُتّخذ بحق "س.ز." أيّ إجراء قانوني، وأنها أخرجت لأنّها مدعومة من بعض الأشخاص والمعارف".

لماذا نثير هذا الموضوع مجدداً؟

لأنه – ببساطة - عادت الشكوك إلى الواجهة حول فاعليّة بعض اللقاحات وجودتها في لبنان، بعد شكاوى وتبليغات من بعض المواطنين في عيادات أطبائهم حول إصابتهم بفيروس كورونا، وقد عانى بعضهم من عوارض صحيّة واضحة، بالرغم من تلقّيهم 3 جرعات من اللقاح.

تتكاثر الشكوك أكثر، خصوصاً بعد الحديث عن انتهاء صلاحية لقاح فايزر الموجود في لبنان، حيث سارعت وزارة الصحة إلى إصدار بيان توضيحيّ يؤكّد إمكانية استخدامه لمدة 3 أشهر إضافية من دون خوف. وقد جاء في التوضيح حول انتهاء صلاحية كميّة محدّدة من لقاح فايزر من المكتب الإعلامي في وزارة الصحة، وفيه أنّ "هذه اللقاحات ما زالت صالحة للاستعمال، إذ استندت الوزارة إلى المعطيات العلميّة المقدّمة من منظمة الصحة العالمية، التي مدّدت صلاحية اللقاح إلى تسعة أشهر بعدما كانت في السابق ستة أشهر، أي سمحت باستعمال اللقاحات خلال ثلاثة أشهر بعد انتهاء مدّة الصلاحية السابقة.

كذلك "استندت إلى مراسلات مع الشركة المصنّعة، التي حصلت على الموافقة على تمديد تاريخ صلاحية هذه اللقاحات، في بلد المنشأ، من خلال الوكالة الأميركية للغذاء والدواء، وخلصت إلى تمديد تاريخ صلاحية هذه اللقاحات من ستة أشهر إلى تسعة، ممّا يضمن صلاحية اللقاحات للاستعمال وأمانها وفاعليتها".

كلّ هذه النقاط دفعت بالعديد من اللبنانيين إلى التردّد في التلقيح والتساؤل حول فاعلية وجودة هذه اللقاحات الموجودة في لبنان، خصوصاً في يتعلّق بشروط تخزينها ومراقبتها في المراكز الصحيّة، في ظلّ أزمة التقنين التي يشهدها البلد.

لكن لبنان بلد العجائب، حيث تتوالى الفضائح الصحية إلا أن القليل منها ينتهي بخاتمة واضحة ومعلن عنها، وكلّنا يتذكّر قضية منى بعلبكي وعلاج السرطان المغشوش وما آل إليه الموضوع برمّته!

لا يُخفي رئيس الهيئة الصحيّة "الصحة حق وكرامة" الدكتور إسماعيل سكرية في حديثه لـ"النهار" أنّ "الجرعات المُرسلة إلى لبنان غير مرفقة بأيّ معلومات طبيّة حولها منذ البداية، كما لم تتمّ الاستجابة لطلب الحصول على المعلومات العلميّة، إذ ترفض وكالة الدواء والغذاء الأميركية الإفراج عن أيّ معلومات مفصّلة، وعن التركيبات التي تحتويها هذه اللقاحات، خصوصاً أن التوصل إلى اللقاحات وإنتاجها كان سريعاً مقارنة بمسألة إنتاج اللقاحات الأخرى. ونعرف كذلك أن أيّ دواء ممكن أن يتسبّب بآثار جانبية، وما نراه اليوم أن مضاعفات التلقيح كما الفيروس تختلف بين جسم وآخر، وما زالت بعض الأمور غامضة ولا يوجد تفسير ثابت لها."

لكن هذا ليس إلا تفصيلاً صغيراً من شكوك تتزايد أكثر فأكثر، وتطرح علامات استفهام. وبرأي سكرية أن "الضغط والترهيب وعملية الإجبار من خلال فرض قيود من أجل تلقيح أكبر عدد ممكن من الناس يُثير الشكوك، فنحن لم نشهد من قبل برغم الفيروسات والأمراض الأخرى مثل هذه الضغوط والسيطرة التي نشهدها اليوم مع لقاحات كورونا."

في المقابل، يوضح رئيس اللجنة الوطنية للقاح كوفيد-19 الدكتور عبد الرحمن البرزي لـ"النهار" بأن "إصدار هذه اللقاحات كان ضمن الاستخدام الطارىء عند الاستحصال على موافقة الاستعمال، سواء في بلد المنشأ أو في أوروبا أو مع منظمة الصحة العالمية. وكانت صلاحية الاستخدام لمدة 6 أشهر. ومع الاستخدام الواقعي اكتشفت الشركات نقاطاً عديدة، من بينها شروط التخزين وإمكانيّة حفظها في حرارة أقلّ. لذلك وافقت منظمة الصحة العالمية وcdc وEMA على تمديد فترة صلاحية هذه اللقاحات حتى 9 أشهر، وبالتالي يطبق هذا التمديد في بلد المنشأ وفي كلّ دول العالم".

وعليه، يطمئن البزري الناس إلى "أن اللقاحات آمنة وصالحة للاستعمال، ولا خوف من انتهاء صلاحيتها."

وعن الجرعة الثالثة وعدم فاعليتها في الحماية من الإصابة بالفيروس، يؤكّد البرزي أن "الهدف من الجرعة الثالثة، التي أظهرت حماية عالية وجيّدة، يتمثّل بالتخفيف من حدّة العوارض والإصابة. صحيح أنّها لا تمنع الإصابة والعدوى بشكل كامل إلا أن الأكيد والمثبت أنها تخفّف خطر المضاعفات وشدّة العوارض والحاجة إلى دخول المستشفى؛ وأكبر دليل على ذلك أنه بالرغم من الإصابات المرتفعة التي شهدها لبنان فإن نسبة الاستشفاء والعناية الفائقة والوفيات كانت قليلة مقارنة بالعام الماضي."

نقاط كثيرة يطرحها سكريّة بطريقة مشروعة، من بينها "طريقة التخزين ومراقبتها، خصوصاً في المراكز الصحيّة غير التابعة للمستشفيات"، ويتساءل عن المراقبة الفعليّة والمستمرّة لهذه المراكز وضمان عدم انقطاع التيار عن هذه البرادات، التي تخزّن هذه الجرعات، والتي تفرض شروط تبريد عالية. كذلك أثير موضوع انتهاء صلاحية بعض الجرعات من لقاح فايزر، حين أكّدت الوزارة بأنه بعد مراجعة الشركة يمكن تمديد صلاحية هذه اللقاحات 3 أشهر إضافية من انتهاء مدّتها، علماً بأن الـCDC كانت قد أعلنت سابقاً أن فاعلية اللقاح تُصبح أقلّ في حال تلقّي لقاح منتهي الصلاحية".

وحسب معايناته الطبية، يؤكّد سكرية أن "موجة المضاعفات التلقيح لاسيما عند الأشخاص، الذين تلقوا الجرعة الثالثة، إلى ازدياد، بالإضافة إلى أن عدداً لا بأس به أصيب بالفيروس، بالرغم من تلقّيه الجرعة الثالثة. وهذا ما جعل الناس تتردّد في تلقّي اللقاح، بعد أن وجدت أن الملقّح كما غير الملقح معرّض للإصابة بالفيروس ونقل العدوى بنفس النسبة".

هذه التساؤلات المطروحة يُشاركه إياها رئيس "التجمع الطبي" وممثل الرابطة الطبية الأوروبية – الشرق أوسطية الدولية في لبنان البروفسور رائف رضا، مؤكّداً أنّ ما نراه في عياداتنا يظهر أن "أغلبيّة المصابين بالفيروس قد تلقوا الجرعة الثالثة من اللقاح، وهذا ما جعلنا نطرح تساؤلات عديدة أهمّها حول إمكانية انتهاء صلاحية هذه الجرعات، وشروط التخزين، ومدى صحتها ومراقبتها، وهل يتمّ خلط اللقاح بالماء لزيادة الجرعات وإمكانية تلقيح العدد المطلوب في هذا المركز؟".

ويُضيف رضا أن "التساؤلات بديهية، يطرحها الكثيرون، خصوصاً الذين لديهم أفراد من العائلة أصيبوا بكورونا، ولم تسعفهم الجرعة الثالثة على الحماية. كذلك نتساءل عن شروط التخزين، وعمّن يراقب عمليّة وكيفية تخزين هذه الجرعات في ظلّ التقنين. صحيح أن المستشفيات مزودة بمولدات وups خاصة، ولكن ماذا عن المراكز الصحية الأخرى؟ فهل من يضمن تشغيلها 24/24 طوال أيام الأسبوع؟".

والأهمّ - وفق رضا - "ماذا عن اللقاحات المنتهية الصلاحية التي قيل إنها صالحة لثلاثة أشهر إضافية ولا خوف منها؟ ولكن نحن نتحدث عن لقاح وليس عن حبّة سكاكر تعطى للناس. اللقاح يُعطى في وقته، وضمن مدة صلاحيته، وكلّ هذه المبررات والتفسيرات من شأنها أن تطرح علامات استفهام."

والأخطر - برأي رضا - أن "الناس لم تعد تثق باللقاح بعد أن لمست من محيطها وأقاربها أن اللقاح لم يحمِهم من الإصابة وحتى من نقل العدوى، أو من العوارض، حسب كلّ جسم. وعليه، تزداد الشكوك حول الجرعة الثالثة وربما الرابعة التي يُحكى عنها، في ظلّ عدم تأمين حماية كافية، وهذا ما يجعل اللقاح في دائرة الشكّ عند فئة لا بأس بها من المواطنين.

فاللقاحات الأخرى التي تعطى ضدّ الشلل وغيرها كفيلة بحماية الشخص من الإصابة، في حين أن لقاحات كورونا عاجزة عن تأمين هذه الحماية الكاملة. لذلك نحن بحاجة إلى إنشاء لجنة علميّة محايدة لمتابعة كلّ هذه التطورات والحالات التي أصيبت بعد الجرعة الثالثة للإجابة عن كلّ هذه الأسئلة ومراقبة المضاعفات والآثار الجانبية التي نشهد تعتيماً عليها. علينا أن نواكب الموضوع بكلّ جوانبه، وأن نتحلّى بالشفافية والوضوح للحديث عن السلبيات والإيجابيّات، وكلّ تعتيم من شأنه أن يزيد الشكوك أكثر".