المصدر: نداء الوطن
الكاتب: نوال نصر
الخميس 9 أيار 2024 07:48:51
كأنه ما كان ينقصنا في لبنان إلا بشاعة بعض الـ «تيكتوكرز» والغرف المظلمة والسواد وسفك الدماء والضبابية والأسرار المرعبة والإغتصاب في عالم الإنترنت العميق حتى تحوطنا المخاوف من كل ميل.
أكثر من أسبوع مرّ ونحن نلهث وراء أخبار من تجرأوا على اغتصاب أطفال وهم يبتسمون. كل يوم خبر وكل يوم وجه جديد لشخصٍ يسرح بيننا ويمرح بوجهٍ ضاحك. نعترف بخوفٍ يجتاحنا من كل من هم حولنا وإن كنا نعرف أن الخوف هو الغرفة الأكثر ظلاماً التي تنشأ فيها السلبية. فلنستعد رشدنا ولنتعرف أكثر على عوالم الظلام الدامس في أمكنة خلنا أننا محصنون تجاهها فوجدناها تقتحم عالمنا.
الـ»ديب ويب». كم سمعنا عنه هذه الأيام. لكن، ليس سراً القول إننا نسمع ولا نفهم أو لا نريد أن نفهم. نقلب بين الصفحات. ننصت الى الهمسات. كثيرون يكررون عبارة «دارك ويب» (الويب المظلم) غير مصدقين ما يسمعون. فهل في الأمر مبالغة؟ سألنا الخبير في الأمن السيبراني والتحوّل الرقمي والرئيس التنفيذي لشركة Revotips للإستشارات التقنية رولان أبي نجم عن معنى الـ»دارك ويب»: وهل علينا أن نخاف فعلاً؟ الإجابة أتت صاعقة: «يفترض الخوف مليون مرة أكثر مما خفنا مما سمعناه. فما نعرفه عن الإنترنت، الذي ندخل إليه، ليس إلا رأس هضبة الجليد أما القعر فرهيب. هذا القعر لا يمكن لأيٍّ كان دخوله. هذه معلومة حقيقية. وحدهم الخارجون عن القانون والقراصنة والقتلة والمغتصبون وتجار السلاح وبيع الأعضاء والمتلذذون بكلِ أنواع التنكيل يفعلون. هم يفعلون ذلك تحت سابع أرض للإنترنت. ويحفظون ما فعلوه في فيديوات يشتريها المرضى النفسانيون بأسعارٍ لا تُصدّق. فلنأخذ مثلا فيديوات إغتصاب الأطفال المحظّرعرضها على المواقع الإباحية هي موجودة في الـ»ويب المظلم». وهناك، كما تعلمون، من يصنفون بشراً يستسيغون مشاهدتها تلبية لانحرافات وأمراض نفسية لديهم. هؤلاء يلجأون الى قعر القعر في الإنترنت لمشاهدتها». ويستطرد أبي نجم بالقول: «بمجرد أن علمت أن هناك مصوراً فوتوغرافياً كان يُصوّر الأطفال الذين اغتصبوا في لبنان أدركتُ أن الغاية بيع الفيديوات الى الـ»دارك ويب»».
الدخول الى الـ»ويب المظلم» ليس متاحاً أمام كلّ من يشاء «فالمتصفح من خلال غوغل لن يتمكن بالطبع من ذلك بل يلزمه الدخول عبر «تور براوزر» وأن يفعل ذلك من خلال تنزيل vpn». يتمهل رولان أبي نجم هنا ليقول: «أنا، من جهتي، لم أفكر حتى بالدخول. إنه سرداب. يشبه ذلك من يذهب الى النار ويتوقع أن يعود سليماً. إنه كمن يدخل الى أدغال الأمازون فيطارده نمر أو أسد أو ذئب. فلماذا المخاطرة ونحن متأكدون من خطورة هذا الفعل؟».
قعر الظلام
زادنا كلام الخبير في الأمن السيبراني خوفاً. لكن، كيف سُمح بوصول الإنترنت الى هذا الدرك الأسود؟ يجيب أبي نجم: «من صنعوا الشبكة العنكبوتية فكروا بكيفية ربط الإنسان بالإنترنت وربط البيوت بكل العالم، لكن، ما حدث أن كثيراً من المجرمين إرتبطوا هم أيضا ببعضهم وشكلوا شبكة خاصة ربطوا أنفسهم بها. ثمة عصابات موجودة. وهناك صعوبة في القبض عليها لأن المعلومات تكون مشفرة والأسماء وهمية والإبتزاز يكون بعملات مثل البيتكوين. تتبُع تلك العصابات ليس سهلاً أبداً. هناك مافيات سلاح وقتلة. البارحة (منذ أيام) تمّ إلقاء القبض على عصابة تستخدم الـ»ويب المظلم» في الكويت بترت أعضاء صبي، مصري الجنسية، في الخامسة عشرة من عمره، وباعت أعضائه وعرضت الفيلم على الـ «ويب المظلم». هي عصابة تبيع أعضاء الأطفال. لا تدخلوا الى الـ»ويب المظلم» فثمة أمور رهيبة تحصل لا يمكن أن يتخيلها عقل».
ما يدور في عمق الشبكة العنكبوتية رهيب. ثمة من يبيعون فيديوات لحالات إغتصاب وانتحار وقتل وبيع أعضاء. وثمة من يدفعون الغالي والنفيس ليشاهدوا هذا النوع من الأفلام. صعبٌ ان نفهم ماذا يحصل هناك. فهل في الطب النفسي شرح؟
نزوات في الخفاء
الدكتور أنطوان سعد، الإختصاصي في الطب النفسي، موجود اليوم في فرنسا كخبير محلّف لدى المحاكم الفرنسية متخصص في الأمراض السلوكية والدماغية لدى الأشخاص الذين أوقفوا بجرائم إغتصاب وتعنيف وقتل. فكيف يقرأ علمياً ما قرأناه إجتماعياً؟ يجيب: «هناك شخصيات مرضية بيننا قد لا ننتبه إليها بسهولة. ويحتاج فضحها الى أحداث وتجارب. فما نراه بالعين المجردة ليس كل الحقيقة. ثمة أشخاص يرتدون ربطات عنق وقمصاناً بيضاء لكنهم ملوثون بالإنحراف والسواد أكثر من سجناء روميه. وبعض هؤلاء يملكون ثروات خارجة عن المألوف ولديهم نزوات يعيشونها في الخفاء ضمن مجموعات مقفلة. إنهم يمارسون سلوكيات تعطيهم رضى عن النفس مرتبط بثقافة أو تربية أو تجارب سبق ومروا بها في مرحلة ما من عمرهم. هي تجارب تجعلهم ينتقمون، في شكلٍ غير واعٍ أحياناً، من خلال سلوكيات معينة يمارسونها مع الآخرين أو من خلال تسهيل بعض الممارسات للآخرين. يكون لدى هؤلاء ما يُعرف بالجوع لتنفيذ سلوك معين (power hunger) يمنحهم شعوراً بالقوة المطلقة وبعدم قدرة الآخرين على صدهم. وبعض هؤلاء يقومون بممارسات تبدأ باستخدام القوّة والعنف وصولاً الى الموت، أي الى القتل الذي هو الجريمة الأكبر».
هل نفهم من كلام الدكتور أنطوان سعد أن كل من واجهوا تجارب قاسية في طفولتهم هم مشاريع مجرمين؟ يجيب: «ثمة نظرية في الموضوع تتحدث عن وجود التجربة مع الإستعداد. التجربة هي الظروف التي عاشها في محيطه أما الإستعداد فيكمن في التركيبة الجينية لديه، في منطقة الدماغ، التي تعزّز طبيعة شعوره مع الآخر، فإما يتعاطف مع الآخر أو يراه يبكي ويتعذب من من دون أن يتأثر. في تلك المنطقة من الدماغ، في وسطه، هناك ما يشبه اللوزة الدماغية واسمها Amygdala وظيفتها أن تتلقى المعلومات في منطقة متصلة مع الأحداث الداخلية والحواس الخمس، لكن، إذا وصلت المعلومة الى إدراك الشخص وعاد وأرسلها الإدراك الى Amygdala ولم تكن تعمل فلن يشعر بالتأكيد بعذابات الآخرين».
ماذا عمن يستلذون بمشاهدة فيديوات الإغتصاب على سبيل المثال؟ يجيب سعد: «يكون هناك نوع من الشذوذ الجنسي لدى بعض الأشخاص voyeurism وهو ما يدفعهم الى الشعور باللذة لمجرد النظر الى فيلم «بورنو» أو الى إغتصاب طفل. ثمة أشخاص يجعلهم الخيال يشعرون بأنهم يقومون بفعل جنسي ما لمجرد أنهم شاهدوه. هؤلاء يشعرون بنفس الأحاسيس ويتفاعلون مع الأفعال التي يشاهدونها وهذا ما يُحفّز رغباتهم الجنسية. هؤلاء الأشخاص لديهم كامل الإستعداد لدفع الأموال الطائلة من أجل إشباع رغباتهم الجنسية». ويستطرد سعد بالقول: «مشكلة الإنسان اليوم وقوعه تحت ثلاث رغبات: المال والسلطة والجنس. وثلاثتهم تشكل أكبر محفّز لأي سلوك ممكن قد يقوم به إنسان وصولاً الى الجريمة».
«عيش كتير بتشوف كتير». ماذا عن من نراهم اليوم من ذئاب بأثواب نعاج؟ يجيب سعد: «ليس ضروريا أن نعرفهم سواء من شكلهم أو سلوكهم أو محيطهم. غالباً، ما يختبئ هؤلاء وراء أقنعة».
هل علينا والحال هكذا أن نقول «العبد في التفكير والربّ في التدبير»؟ يجيب الإختصاصي في علم النفس: لا، هناك بالطبع حلول، تكون في إعادة تأهيل الدماغ المسؤول عن السلوك والرغبات وهي تكون من ثلاثة مستويات: غرائزية، عاطفية وفكرية».
حاولنا أن نفهم تصرفات «حيوانات بشرية» من باب علم النفس. ولنعد الى الواقع المظلم الذي يلاحقنا وينتهي في أحيانٍ كثيرة في قعر شبكة الإنترنت. رولان أبي نجم يميّز بين مصطلحين: «دارك ويب» و»ديب ويب» (Deep Web)، والجانب المظلم يكون في «الدارك» حيث تعيش النفوس المريضة وأصحاب العقد النفسية أما «الديب» فيستخدم في الحوالات المصرفية والمعلومات الرسمية والمراسلات السرية الدقيقة. وبالتالي هي عامة لكننا كأشخاص لا نراها.
نعم، ثمة قعر عميق، عمق نحن قد لا نراه أما أثره فكبير هائل... ثمة شياطين تحت الأرض. إنتبهوا منهم.