المصدر: النهار
الكاتب: نبيل بو منصف
الأربعاء 29 كانون الثاني 2025 07:12:56
على أمل أن تشكّل ولادة الحكومة الموعودة بأنها ستكون رأس الحربة الإصلاحية الطالعة في العهد الجديد الصدمة الإيجابية المنتظرة، لا بد من الاعتراف بأن بعض ما جرى في عودة الجنوبيين إلى بلداتهم، وما صاحب هذه العودة في ممارسات "النصر" في بيروت، أعادا بقسوة نمط الصدمات النافرة إلى الواقع الداخلي.
تحفل "سرديات" القوى السياسية بمختلف التناقضات والانقسامات التي ستجعل حكومة نواف سلام تخوض أصعب المهمات إطلاقا في اختراق جبل الجليد. وكان من نماذج تعمق هذه الانقسامات إلى حدود خطِرة، وخلافا للتكاذب الرائج المختبئ وراء مزاعم احتضان اللبنانيين بعضهم للبعض الآخر منذ استدرجت "حرب الإسناد" التي فتحها "حزب الله"، إسرائيل إلى تدمير الجنوب والضاحية الجنوبية، أن معظم القوى الداخلية قاطبة وليست القوى الخصمة للحزب فقط، راهنت على أن الكارثة الأخيرة أضعفت الحاضنة الشعبية للحزب بعد الكارثة المخيفة التي أوقعها فيها. كان رهانا بديهيا لأن الارتباط الإقليمي للحزب وتاريخ ممارساته الداخلية ضد الخصوم، أقله شكلا، يعتبر أشدّ مسببات أزمات لبنان لأكثر من ثلاثة عقود بعد الطائف. لذا تتمظهر الصدمة الواقعية والحقيقية التي يتعين على القوى السياسية والمستقلّين والخبراء والمراقبين الاعتراف بها، في أن بيئة الحزب أو جمهوره أو ناسه، أيا تكن مسببات ذلك، تاريخيّة أم مادية أم عقائدية أم مذهبية واجتماعية، وحتى في أساس الزعم بأنها تتصل بالعداء لإسرائيل التي لا يمكن تبرير جرائمها أو احتلالاتها المتكررة لجنوب لبنان خصوصا… كل هذا لم يشكل بعد الكارثة الأخيرة الفسحة المنتظرة لمحاسبة الحزب من داخل بيئته وجمهوره وطائفته.
كانت نماذج عودة أهالي بلدات الحافة الأمامية وقراه، الفرصة الذهبية التي أعدّ لها الحزب لإشهار ورقة قوة بيئته بعد كل الدمار والكوارث التي تسبب بها في استدراجه الحرب الإسرائيلية، ولإضفاء ما يزعم من شرعية على تلك الحرب الكارثية. والحال أن "جمهوره" استجاب له بأكثر بكثير مما توقع كل الآخرين، بل بصدمة غابات الأعلام الصفر ترتفع فوق قوافل العائدين.
كان يتعين امتثال العائدين لتوجيهات الجيش اللبناني بعدم دخول مناطق خطرة ومحتلة، وذلك لم يحصل. وكان يتعين تنفيذ تعليمات الدولة لا الدويلة، ولم يحصل. والاسوأ إطلاقا أن تأتي الإضافة الداخلية في مواكب النصر الاستفزازية التي "استحلت" مناطق وأحياء الجميزة وعين الرمانة وفرن الشباك وسن الفيل وسواها من "المناطق الشرقية" لتعيد بنفسها مزاج الانقسام والاستفزاز، وكأن "الشيعة" اللبنانيين في حاجة إلى التذكير بأن "شيعة، شيعة" كشعار محفز على الفتنة، هو سلاح الحزب الرديف بيد جمهور معروف بسرعة الاستجابة.
إذا، المسالة تتجاوز بعمق عميق تداعيات الكارثة الجنوبية إلى الأخطر، مهما تهربت قوى لبنانية من طمر الرؤوس في الرمال. وعلى أمل ألا تأتي الحكومة العتيدة باستجابات فوق العادة لاشتراطات الثنائي وما تستدرجه من اشتراطات مقابلة مسيحية وسنية ودرزية وما إليها، ترانا نتساءل استباقيا: إذا كان جنوب الليطاني كلّف ما كلّف إلى مشارف الفتنة، فكيف بشماله؟