المصدر: المدن
الكاتب: خضر حسان
الجمعة 4 تشرين الأول 2024 17:43:07
لَفَتَ رَفع سعر صرف الدولار في المحطات، أنظار بعض اللبنانيين إلى ما قد ينسحب نحوه هذا الأمر، سيّما وأن تداعيات تقلّب سعر الصرف لم تُمحَ بعد من ذاكرة اللبنانيين. فقد صَدَرَ جدول تركيب أسعار المحروقات صباح اليوم الجمعة 4 تشرين الأول، حاملاً معه ارتفاعاً في سعر صرف الدولار من 89700 إلى 90000 ليرة، بدون الاستناد إلى أي قرار رسمي من مصرف لبنان الذي لا يزال يعتمد سعر 98500 ليرة كسعر رسمي للدولار منذ وقف العمل بمنصة صيرفة.
ومع أن هذا الارتفاع لم ينتشر في السوق، إلاّ أنه يؤشِّر لاحتمالات مفتوحة، خصوصاً وأن حالة الحرب الإسرائيلية على لبنان تُعتَبَر بيئة خصبة للفوضى. والمثير للريبة، أن تحديد سعر الصرف الجديد تمّ بالاعتماد على منصة الكترونية تسمّى LBP Rate. فهل تستيقظ المنصات من سباتها لتتحكّم بالسوق مجدداً؟.
وزير الطاقة يوضِح ما حصل
توقَّفَ العمل بمنصة صيرفة في آب 2023. وآخر سعر للدولار سُجِّلَ عند مستوى 85500 ليرة، ليعود حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري ويرفع سعر الصرف إلى 89500 ليرة في شهر كانون الأول 2023، ويستمر السعر على هذا النحو خلال العام الجاري، ويُعتَمَد هذا السعر في التعاملات الرسمية.
جملة من الأحداث تسارعَت منذ وقف العمل بصيرفة، وكان من المتوقَّع أن يرتفع إثرها سعر الصرف في السوق، سيّما الأحداث المتعلّقة بتحرّكات المودعين ضد المصارف، وصولاً إلى اندلاع الحرب في تشرين الأول 2023. لكن أتى التغيير من حيث لا يتوقّعه أحد، إذ رفعت وزارة الطاقة سعر صرف الدولار بالاستناد إلى منصة LBP التي "تعتمدها الوزارة عادةً، ولم تتناقض أسعارها مع سعر السوق طيلة فترة أزمة الدولار وتقلّب أسعاره"، وفق ما أكّده وزير الطاقة وليد فيّاض الذي تعجَّبَ في حديث لـ"المدن" لتغيُّر السعر في هذه الفترة، قائلاً "اليوم أوّل مرّة يتحرَّك السعر على هذه المنصة إلى 90 ألف ليرة".
ولفتّ فيّاض النظر إلى أنه لا يعرف لمن تعود هذه المنصّة "ولا يوجد مكان رسمي نعتمد عليه لتحديد سعر صرف الدولار، خصوصاً وأن سوق المحروقات جرى تحريره ولم يكن مرتبطاً بأسعار منصة صيرفة". وفي السياق، كان حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، قد وَجَّهَ كتاباً لفيّاض بتاريخ 9 كانون الثاني 2023، ينصّ على أنَّ تأمين شركات القطاع النفطي للعملات الأجنبية "يتم من خلال السوق الموازي وليس عبر المنصة الإلكترونية لعمليات الصرافة "صيرفة"، وما زال هذا الإجراء سارياً بعد ان تم التوافق عليه منذ شهر أيلول 2022، مع دولة رئيس مجلس الوزراء ومعالي وزير المالية ومعاليكم".
ورغم هذا الارتفاع، لم يتأثّر السوق، بل سارَعَ فيّاض إلى تعديل السعر والعودة إلى السعر السابق بعد "تكليف رئيسة مصلحة الديوان بالإنابة، والمفوَّضة عن وزير الطاقة والمياه، جومانا الخوند، بالتواصل مع كبار الصرّافين والتأكّد من عدم تحرّك سعر الدولار في السوق". وبالفعل، أعادت الخوند، بتفويض من الوزير، سعر الصرف إلى 89700 ليرة.
الخوف من انفلات السوق
إعادة سعر الصرف في المحطات إلى ما كان عليه، لا يعني حلّ المشكلة. فالجوهر ليس بتغيير رقم "بشحطة قلم"، وإنما بالبحث عن سبب تعديل سعر الصرف ومَن يقف وراء المنصّة التي حدّدته، فضلاً عن سبب اعتماد وزارة رسمية منصة مجهولة لتحديد سعر صرف الدولار.
لا يُخفي عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس، في حديث لـ"المدن" تخوّفه من "العودة لتقلُّب سعر صرف الدولار كل دقيقة، كما كان يحصل في السابق". لكنه يجزم عدم وجود سلطة لأصحاب المحطات على تحديد سعر الصرف، فالأمر يعود لوزارة الطاقة التي يظهَر أنها تعتمد بدورها منصات مجهولة.
بالتوازي، حذّرت مصادر في نقابة الصرافين من "استغلال الحرب لبدء التلاعب بسعر صرف الدولار، فمن شأن هذه الخطوة أن تزيد الطين بلّة وتشجِّع تجّار الأزمات في كل القطاعات على استغلال الناس". ودعت المصادر الجهات الرسمية، وتحديداً مصرف لبنان ووزارة المالية إلى "التحرّك فوراً لمنع حصول أي تلاعب في السوق". وطمأنت المصادر إلى أن "الصرافين لم يرفعوا سعر صرف الدولار عن مستوى 89500 ليرة".
رفع سعر صرف الدولار على المحطات بمعدّل 300 ليرة من قِبَل منصة مجهولة، ليس حدثاً عابراً يمكن تمريره واعتبار أن الـ300 ليرة ليست رقماً كبيراً. فلا أحد يمكنه ضبط المحطّات والتأكّد من التزام أصحابها بالتسعيرة الرسمية في هذا الظرف، خصوصاً وأن رفع السعر جاء بقرار من وزارة الطاقة، وقد لا يلتفت المواطن إلى العودة للسعر السابق، لاسيّماً إذا كان مضطراً لشراء المحروقات. وإذا كانت وزارة الطاقة قد عالجت "الخطأ" سريعاً. إلاّ أن ذلك لا يلغي انجرارها وراء منصة مجهولة قد ترفع لاحقاً السعر بمعدّلات أعلى، بدون حسيب أو رقيب. علماً أن الدخول إلى رابط المنصة المذكورة، وفق ما أرسله فيّاض لـ"المدن"، يُبَيِّن أن المنصة حدَّدَت سعر صرف الدولار بين 89800 ليرة و90000 ليرة، منذ بداية تشرين الأول الجاري. فهل تشكِّل هذه الخطوة اختباراً لتجاوُب السوق مع تحرُّك سعر الصرف، بدءاً من قطاع المحروقات؟.