صدمة وعلامات استفهام ورواية تحدد الخلل الواقع في الشحنة المهرّبة.. ماذا في التفاصيل؟

 المسألة طويلة

على ما هو واضح وأكيد من الاجواء المتعلقة بالقرار السعودي بمنع الاستيراد من لبنان واستتباعاته على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، يبدو انّ هذه المسألة ستأخذ مدى طويلا جدا، وهي ليست مسألة ايام او اسابيع، كما يفترض بعض المتفائلين، بل قد تكون فاتحة لخطوات اشمل ما لم يُلمس من الجانب اللبناني خطوات شديدة الجدية.

واذا كان ثمة من يعتبر انّ الخطوة السعودية سياسية، فإنّ مصادر مسؤولة تؤكد ان هذا المستجد يوجب التعاطي بحجمه وبجديته بعيدا عن الغوغائية والسياسات العمياء، فدعونا لا نعلق في توصيف القرار والحديث عن خلفيات سياسية او غير سياسية، هناك خلل كبير وخطير مرتبط بتهريب مخدرات من لبنان إليها او عبر لبنان اليها، أشارت إليه السعودية، وبالتالي هي ألقت كرة المعالجة على الجانب اللبناني، واتخاذ ما يجب ان يتخذ من اجراءات رادعة ومكافحة لهذه الآفة.

هذا الامر، في رأي المصادر المسؤولة، يوجب استنفار كل اجهزة الدولة الادارية والامنية، ومقاربته بخطوات نوعية تثبت من خلالها السلطة انها جادة فعلاً في مكافحة هذه الآفة، والتشدد في اجراءات الرقابة على المعابر والمرافىء، وليس الاكتفاء ببيانات او رسائل تضامن مع السعودية او باجتماعات فولكلورية تتخذ خطوات وقرارات لا تقدّم ولا تؤخّر.

وكانت لافتة في هذا السياق، تغريدة للسفير السعودي في لبنان وليد البخاري، أكد فيها أنّ «أمن المملكة في ظل قيادتنا الحكيمة خط أحمر، لا يُقبل المساس به».

إجتماع بعبدا

القرار السعودي، كان محور اجتماع عقد ظهر امس في القصر الجمهوري استهلّه عون معتبراً انّ «التهريب بأنواعه كافة، من مخدرات إلى محروقات وغيرها من المواد يضر بلبنان ويكلفه غالياً، وعملية التهريب الأخيرة إلى المملكة العريبة السعودية تؤكد ذلك». وأكد أن «لبنان حريص على عدم تعريض سلامة أي دولة، وبخاصة الدول العربية وأبنائها إلى أي خطر»، واستوضح المعنيين عن «أسباب التأخير في شراء آلات السكانر لوضعها على المعابر على الرغم من القرار المتخذ منذ تموز 2020 وصدور مرسوم بذلك». ودعا إلى «إتمام عملية الشراء في أسرع وقت»، وطلب من «الأجهزة الأمنية التشدد في مكافحة عمليات التهريب ومن يقف وراءها»، مؤكداً «حرص لبنان على المحافظة على أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة وحماية الأمن والاستقرار فيها».

واذ اعتبر رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ان «الدولة اللبنانية واللبنانيين لا يقبلون أي أذى للأشقاء السعوديين»، قال: «نحن حريصون على أفضل العلاقات، ونحن بالتأكيد مع المملكة في محاربة شبكات التهريب بفروعها اللبنانية والسعودية وخيوطها الممتدة بالعديد من الدول، ومع ملاحقة المتورطين». أضاف: «نحن على ثقة أن السعودية وكل دول الخليج تعرف جيداً أن التوقف عن استيراد الزراعات اللبنانية لا يمنع تهريب المخدرات الذي يعتمد طرقاً مختلفة، وأن التعاون بيننا يساعد على ضبط هذه الشبكات».

وخلص الاجتماع الى الآتي:

- التمني على السعودية «اعادة النظر في قرار منع دخول المنتجات الزراعية اللبنانية الى السعودية او عبور اراضيها، مع التشديد على ان لبنان كان وسيبقى الشقيق الحريص على سلامة أشقائه العرب».

- تأكيد حرص لبنان على متانة العلاقات الاخوية مع السعودية وإدانة كل ما من شأنه المساس بأمنها الاجتماعي او بسلامة الشعب الشقيق، لا سيما تهريب المواد الممنوعة والمخدّرة، خصوصاً ان لبنان يرفض رفضا قاطعا ان تكون مرافقه طريقاً أو معبراً لمثل هذه الجرائم المشينة».

- الطلب إلى المدعي العام التمييزي غسان عويدات استكمال ومتابعة ما يلزم من تحقيقات لكشف كل ما يتصل بعملية تهريب المواد المخدرة في شحنات الخضار والفاكهة التي دخلت الاراضي اللبنانية، والجهات التي تقف وراء تصديرها إلى المملكة العربية السعودية.

- إنزال اشد العقوبات بالفاعلين والمخطّطين والمنفّذين والمقصّرين، وفقاً للقوانين والأنظمة المرعية الاجراء على أن يُصار إلى اطلاع المسؤولين السعوديين على النتائج.

- الطلب الى القوى العسكرية والامنية والجمارك والإدارات المعنية التشدد وعدم التهاون إطلاقاً في الاجراءات الآيلة لمنع التهريب على انواعه من الحدود اللبنانية والى اي جهة كانت، لا سيما منها الشحنات المرسلة الى دول الخليج، والتأكد من خلوّها من اي بضائع ممنوعة».

- تكليف وزير الداخلية محمد فهمي التواصل والتنسيق مع السلطات المعنية في السعودية لمتابعة البحث في الإجراءات الكفيلة بكشف الفاعلين ومنع تكرار مثل هذه الممارسات المدانة».

وبحسب المعلومات، فإنّ المعطيات والمسؤوليات والصلاحيات قد تداخلت في تحديد السيرة الذاتية لشركة شاحنات الرمان والمخدر ومسارها، وتحول اجتماع بعبدا الذي خصّص لهذا الملف الى غرفة فك أحجية هذه الشاحنات التي، وبحسب المعلومات الأولية التي حصلت عليها «الجمهورية»، دخلت من الأراضي السورية الى الأراضي اللبنانية عبر معبر العبودية وتوجهت بقاعاً حيث مكثت في إحدى المستودعات لمدة اسبوع تم في خلالها نقلها من الشاحنات السورية الى الشاحنات اللبنانية، ثم سلكت طريقها الى مرفأ بيروت قبل ان تأخذ وجهة مرفأ جدة بعد أخذها شهادة المنشأ من غرفة الصناعة والتجارة ومصدقة من وزارة الزراعة.

وهنا طرحت علامات الاستفهام الكبرى عند اكتشاف هوية الشركة التي تبين انها وهمية، وبرز اسم شركة الأرز قبل ان يتم سحبه مجدداً، وقد حصلت الشركة الوهمية المسجلة على رخصة استيراد وتصدير وجرى تسجيلها في غرفة التجارة والصناعة والزراعة التي تتبع لوزارة الاقتصاد كسلطة وصاية. الغرفة التي يفترض ان تكون قد اعطت شهادة منشأ لم يتبيّن في الداتا الخاصة بها ان هذه الشهادة أعطيت منها خلال التاريخ الذي تم فيه تصدير البضاعة، وبناء على شهادة المنشأ صدق موظف وزارة الزراعة الاوراق التي أرسلت الى الجمارك للشحن. مدير الجمارك بالانابة الذي حضر الاجتماع اكد انّ البضائع لم يتم الكشف عليها لعدم وجود السكانر، وجرى فحصها عينيّاً، ولوحِظ إمّا غياب وإمّا تداخل لأرقام الشحنة وتواريخها تماماً كما ضاعت هوية الشركة الوهمية واصحابها.

مدّعي عام التمييز عرض المعلومات الاولية المتعلقة بهذا الملف، واكد ان التحقيق جارٍ مع كل الجهات التي ساهمت في نقل البضائع من سائقين واصحاب المستودعات لمعرفة مَن كلّفهم، وكشف عن خيوط يتم تتبعها ليست واضحة تماما لأنها تحتاج الى عملية تدقيق اكثر لمعرفة الامتدادات الاكبر لها والابعد من لبنان الى سوريا، وقال انّ هناك معلومات لا يمكن الكشف عنها لأنها قيد التجميع، ويجري التنسيق مع السلطات السعودية وهناك تعاون لبناني - سعودي لكشف هذه الشبكة من سوريا الى لبنان الى السعودية.

وزير الصناعة أبدى خشيته من ان تنعكس هذه الحادثة على الصادرات الصناعية في ظل الفلتان الحاصل وتشويه سمعة لبنان لدى الخارج.

وبَدت الصدمة والمفاجئة على وجه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عندما اكتشف انّ ماكينات السكانر التي تم الموافقة عليها في 20 تموز الماضي، اي قبل انفجار المرفأ، لم يجر تركيبها بعد بسبب تأخير التلزيم، وسأل وزير المال الذي اكد له ان الملف موجود في ادارة المناقصات فطلب منه مراجعتها، وكان تلميح الى انّ اعتمادات هذه الماكينات ليس من المؤكد انها متوفرة.

ثم تحدث رئيس مزارعي وفلاحي البقاع ابراهيم ترشيشي، فأكد ان العلاقة مع المملكة العربية السعودية عمرها اكثر من 50 سنة لم يحصل فيها اي مشكل، وان عمليات الاستيراد والتصدير كانت تتم بانتظام من دون شوائب، وحذّر من استغلال اوضاع المعابر وفلتانها لتهريب بضائع ما يمكن ان يؤدي الى مضاربات في سوق الاستيراد والتصدير. كما لفت الى انّ هناك بضائع عالقة معدّة للشحن غير معروفة المصير، ومنتجات وصلت أصلاً الى المملكة العربية السعودية عالقة ولم يتم السماح لها بالعبور، وهذا سيشكّل خسارة كبيرة على القطاع الزراعي في لبنان.

مصادر المجتمعين افادت «الجمهورية» انّ هذا الاجتماع هدف للقول للمملكة العربية السعودية: نحن هنا ولم نسكت على الذي حصل. واكدت ان هذه العملية لها شبيهاتها في عمليات التهريب التي تحتاج الى إجراءات امنية مشددة وتعاون سلطات الدول الامنية والقضائية المهرّب منها وإليها. فحتى البيان، تقول المصادر، كان محضّراً مسبقاً وتقاذف المسؤوليات اثبت ان لا رواية رسمية حول حقيقة هذه التهريبة، كما برز تصويب كل جهة على الاخرى وفق اللعبة المتبعة بكل شيء في لبنان وهي التسييس. وقال مصدر امني لـ»الجمهورية» هذه العمليات من الصعب اكتشافها، علماً أنّ لبنان بلّغ السعودية في العام 2021 بـ 7 عمليات تهريب لكميات هائلة من حبوب الكبتاغون تم ضطبها في لبنان كانت متوجهة الى المملكة، منها 15 مليون حبة في عملية تهريب واحدة عبر آلات منشار البلاط كبيرة لم يتم ذكرها او شكر لبنان على ضبطها، وعملية الكبتاغون في الرمّان قدّرت بـ60 الف حبة رمان احتوت على 1000 حبة رمان مضروبة، اي ما نسبته 1 % في شحنتين كل شحنة توزّعت على 2 كونتينر، وفي كل رمانة مضروبة تم وضع بين 1500 و2000 حبة كبتاغون داخلها، واذا قدّرنا الكيلو بـ 5500 حبة كبتاغون فهذا يعني أنّ هاتين الشحنتين تحتويان على مليونين و700 حبة كبتاغون. وكشف المصدر انّ السلطات السعودية لم تزوّد بعد الجهاز الامني المختص بالتهريب بمعلومات دقيقة حول الشحنة، متخوّفاً من ان تكون نتائج هذه العملية ليست قصة كبتاغون برمّانة بل قصة قلوب مليانة.

رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع ابراهيم ترشيشي قال لـ»الجمهورية» انّ هناك 40 شاحنة تصدير للفواكه والخضار معلقة على المعابر بين مرفأ بيروت ومرفأ جدة، وهناك بواخر وشاحنات تعبر المرافق البرية وتقدّر هذه البضائع بحوالى مليوني دولار، وستقع خسائر فادحة على المزارعين في حال تُلفَت ولم تصل الى البلد المستورد لها. واكد ترشيشي انّ هذه الشركة المصدرة هي المرة الاولى التي تتعاطى بتجارة لفواكه والخضار، وأنّ اوراقها وشهادات منشئها كلها اتضحت انها مزورة، وهي ليست من بين الشركات التي اعتادت الاستيراد والتصدير الى الخليج العربي عبر الخسمين سنة الماضية، وهي شركات متعارف عليها لم تخطئ يوماً ولا تخطئ، بينما هي الآن تتحمل مسؤولية هذه الشركة الوهمية الجديدة التي قامت بعملية التهريب هذه بأوراق مزوّرة.

وفي معلومات «الجمهورية» انه تم توقيف 4 اشخاص بينهم شخصان على صِلة بتلك الشركة، وهما من آل سليمان.

ولفتت مصادر المعلومات انه تم تكليف مكتب مكافحة المخدرات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بالقضية بإشراف مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات. وهو مَن اعطى عصر امس اشارة قضائية الى القوى الامنية لختم المستودع الذي أفرغت فيه شحنة الرمان في تعنايل من سوريا عبر محطة اولى جرت في 8 نيسان في منطقة الخيارة البقاعية ايضاً، قبل إعادة توضيبها بعد ضَم الدفعة الثانية منها في 14 نيسان على الطريقة اللبنانية بنيّة تزوير مصدرها الحقيقي. فلبنان لا يمتلك إنتاجا كافيا ومستفيضا عن حاجات السوق المحلية لتصديره، وخصوصاً من الصنف الذي وصل الى المملكة.

 

1000رمانة محشوةّ من 60 الف رمانة

الى ذلك توصّلت التحقيقات التي اطلعت عليها «الجمهورية» الى ان الشحنة ضمت 60 الف رمانة ومن بينها 1000 رمانة تم حشوها بالمخدرات، وهي من الحجم الكبير الذي تتميز به الزراعات السورية من هذا الصنف. ويمكن ان يصل وزن كل واحدة منها ما بين 680 غراماً و750 غراما، وقد تم جمع حوالى 2000 حبة في كل رمانة.

 

معلومات امنية ووزراية

وفي معلومات «الجمهورية» نقلاً عن القادة الامنيين انهم اجمعوا على رواية حددت الخلل الواقع في الشحنة المهرّبة بـ»تأشيرة وزارة الزراعة على اساس انها بضاعة لبنانية». كما انها لم تدخل عن طريق «الترانزيت» كما يفترض، بل افرغت حمولتها في البقاع وتحديدا في بلدة الخيارة وتعنايل، واعيد نقلها في برادات الى مرفأ بيروت ومنها الى الباخرة فميناء جده. وعلمت «الجمهورية» ان وزير الزراعة حمّل المسؤولية الى غرفة التجارة والصناعة والزراعة التي تعطي شهادة المنشأ وتصدق عليها وزارة الزراعة، لافتاً الى ان وزارة القتصاد هي التي تمارس الوصاية على هذه الغرفة.

 

آلية عمل فهمي

وتحدثت المصادر المطلعة في تفسيرها لمهمة فهمي، فلفتت الى ان تكليفه تم من خلال خطة يمكن ان تؤدي الى سفره الى المملكة العربية السعودية حاملاً معه نتائج التحقيقات التي بوشرت على الفور، ليوضح للسلطات السعودية المعنية مختلف جوانب القضية على ان يكون مدعوما بما تستحق المهمة من دعم ديبلوماسي وسياسي.

 

فهمي متوجهاً الى السعوديين

وفي اول موقف له بعد تكليفه التوجّه الى السعودية، قال الوزير فهمي عبر محطة «الحدث»: «نحن حريصون على احترام الأمن القومي والمجتمع السعودي ونتمنى حل الأزمة مع السعودية وعودة التصدير». مشيرًا إلى «أن كل الشحنات التي ستخرج من لبنان ستخضع لتفتيش دقيق»، وكاشفاً أن مكتب مكافحة المخدرات يحقق مع 4 متورطين في شحنة الكبتاغون».