المصدر: المدن
الكاتب: خضر حسان
الأربعاء 21 أيلول 2022 14:22:38
أدّى عدم توفّر الفيول لتشغيل معامل الكهرباء الحرارية إلى إخراجها من الخدمة، وانقطاع الكهرباء بشكل تام عن أغلب المناطق اللبنانية. ولا يكسر العتمة سوى كهرباء المولّدات الخاصة التي تواصل تسجيل ارتفاعات "شاهقة" في فواتيرها. وبانتظار الفيول العراقي والإيراني، يعتمد عدد من القرى في البقاع الغربي وراشيا وجزين وإقليميّ الخروب والتفاح، على الكهرباء المؤمَّنة من معامل إبراهيم عبد العال وبولس أرقش وشارل الحلو، التي تعمل بالطاقة المائية. لكن بقاء هذه المعامل على قيد الحياة وسط انطفاء المعامل الحرارية، أثار شهية أحزاب السلطة، فأرادت تحسين صورتها أمام جمهورها عبر المطالبة بربط مناطقها بالمعامل المذكورة. ما يهدّد القرى والمرافق المستفيدة حالياً، بالانقطاع الشامل للكهرباء.
زيادة الحمولة
في نهاية شهر أيار الماضي، حذّرت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، من أن مخزون المياه المتوفّر في بحيرة القرعون، "بالكاد يكفي لانتاج الكهرباء لمدّة تفوق الثلاثة أشهر بقليل"، تبعاً لحجم الاستهلاك الشهري للكهرباء. ولضمان أفضل توزيع للطاقة المنتجة عبر المياه، جرى ضخ الكهرباء للمرافق العامة، بانتظار تشغيل المعامل الحرارية. ويشرح رئيس المصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية، أن "إنتاج المعامل المائية حالياً هو نحو 80 ميغاوات تنقسم بين 20 ميغاوات للمناطق القريبة من المعامل، و60 ميغاوات تأخذها مؤسسة كهرباء لبنان عبر شبكاتها، وتوزّعما على باقي المناطق لتغذية المرافق العامة". ويضيف في حديث لـ"المدن"، أن "أي حمولة زائدة ستؤدي إلى خروج المعامل عن الخدمة".
الحديث عن حمولة زائدة يعود لرغبة الأطراف السياسية بإفادة المناطق التي تسيطر عليها، بالكهرباء، من خارج أي سياق تقني واقعي يؤدي إلى نتائج إيجابية. وفي معرض الإصرار على زيادة عدد القرى المستفيدة، يقول علوية بأن "على مؤسسة كهرباء لبنان توسيع المحطات وشراء المعدات اللازمة، وعندها يمكن زيادة عدد القرى المستفيدة".
وكانت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني قد رحّبت في بيان لها، بـ"المطالب المحقّة بربط بلدات إضافية في محطة الأوّلي"، مشيرة إلى أن إتمام الأمر يحتاج إلى "سير مؤسسة كهرباء لبنان بمناقصة تجديد خلايا محطة الأولي واستحداث ستّة مخارج بدلاً من ثلاثة، إضافة إلى زيادة قدرة المحولات، بما يسمح بزيادة عدد البلدات المستفيدة وتوزيع ساعات التغذية بصورة أكثر عدالة بين مختلف الأقضية".
ولفت علوية النظر إلى أن توسيع عدد القرى وزيادة حجم الحمولة، المثقلة في الأصل بواسطة السرقة والتعدّيات على الشبكة، "سيؤدي إلى انفصال المولّدات وانطفاء المعامل".
حرب شعبوية
لن تتمكّن مؤسسة كهرباء لبنان من إجراء التحديث اللازم لتوسيع حجم الإنتاج والتوزيع. والأطراف السياسية التي تسعى لتحقيق مكسب شعبوي "هي نفسها التي تحكم البلد منذ العام 1990 ولم تفعل شيئاً لتحسين الكهرباء، بل دخلت في صراع على الطاقة يشبه صراعات قبائل القرون الوسطى على النار"، على حد تعبير مصادر في مصلحة الليطاني. ولا ترى المصادر في حديث لـ"المدن" بارقة أمل في هذا الصراع، إذ أن "الأحزاب تقود معركة شعبوية، وهي اكتشفت أن المعامل المائية هي آخر المعامل القادرة على انتاج الكهرباء بعد القضاء على المعامل الحرارية، ويريدون الاستفادة منها حتى الرمق الأخير قبل القضاء عليها هي الأخرى". وتقول المصادر، بأن الحل يبدأ من "تأمين مؤسسة كهرباء لبنان للفيول وتشغيل المعامل الحرارية لتخفّف الضغط عن المعامل المائية. وكل ما عدا ذلك، لا يُعتبَر حلاً صحيحاً". أما تصعيد المواقف وإثارة عصبيات الناس لمصالح سياسية وفئوية كـ"ربط مناطق إضافية لإفادة معامل خاصة لشخصيات سياسية، أو زيادة عدد المناطق المستفيدة وصولاً إلى صيدا، لن ينفع".
وبانسداد الأفق أمام المزايدات الشعبوية، تحذّر مصلحة الليطاني من "مخاطر الدخول إلى معاملها والعبث بأجهزة التحكم بها وتعطيلها، لما يحمله ذلك من مخاطر على السلامة العامة، لا سيما تعطل العنفات والمولدات في المعامل الثلاثة بسبب التوقف لمدة طويلة والرطوبة العالية داخل المعامل المائية. مخاطر فيضان معمل عبد العال (معمل تحت الأرض) بسبب عدم إمكانية ضخ مياه النبع الموجود داخل المعمل لفقدان الطاقة اللازمة لتشغيل المضخات. مخاطر فيضان معمل شارل حلو (معمل تحت الأرض) بسبب عدم إمكانية ضخ مياه النبع الموجود داخل المعمل لفقدان الطاقة اللازمة لتشغيل المضخات. خسارة مؤسسة كهرباء لبنان لطاقة معامل الليطاني التي تستعملها كطاقة احتياطية ضرورية لبدء تشغيل معاملها. تعميم العتمة الشاملة على المناطق والبلدات المغذاة من محطات الليطاني وعلى خطوط الخدمات العامة التي تغذي المنشآت والمرافق الحيوية على كل الأراضي اللبنانية".
وصل ملف الكهرباء إلى أفق مسدود. فما يُنتَج حالياً، بالكاد يسيّر المرافق العامة، وعلى رأسها مطار بيروت. ولم تتمكّن مؤسسة الكهرباء أو وزارة الطاقة من شراء الفيول بالقدر الكافي لتشغيل المعامل الحرارية. ويبقى الطرفان هما المسؤولان عمّا آلت إليه أوضاع الكهرباء، بانتظار الفيول العراقي المنتظر نهاية الشهر الجاري، والفيول الإيراني، ومبادرة استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر، وهي حلول لا تفيد في معالجة الأزمة التي تزداد عمقاً مع ازدياد أرقام فواتير المولّدات الخاصة. ولأن المؤسسة والوزارة والقوى السياسية لا يبالون بالنتائج بل بالمصالح، يريدون الضغط على المعامل المائية، وإن أدّى ذلك إلى إطفائها والمغامرة بقطع الكهرباء عن المرافق العامة.