صراع على مرجعية"الصناديق" للتعويض على متضرري الحرب وتضارب في الكلفة الإجمالية...لا ثقة!

لا كلام يعلو على مشهدية الدمار الذي خلفته الحرب على لبنان على مدى شهري أيلول وتشرين الأول من العام الفائت. ولا صدى يتردد في أوساط أهالي القرى الجنوبية المدمرة سوى "من سيعيد إعمار بيوتنا وجنى عمرنا؟ ومن سيدفع لنا الأموال وهل هي متوافرة؟

على المستوى الحكومي فقد صادقت الحكومة على سلفة بقيمة 4000 مليار ليرة لبنانية لرفع آثار دمار الحرب الإسرائيلية على لبنان وذلك عقب الجلسة الحكومية الاستثنائية التي عقدت بتاريخ 7 كانون الأول من العام الفائت في ثكنة بنوا بركات في صور.

لكن الإشكالية برزت في الصناديق التي ستتولى دفع التعويضات وما إذا كان مجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة سيتوليان هذا الموضوع. وقد تُركَ باب البحث مع الجهات الدولية المعنية والموفَدين الدوليين مفتوحا، على أن تتضح كل الأمور قريباً جداً وتحديدا بعد التأكد من مسألة وقف إطلاق النار ووقف الإعتداءات الإسرائيلية المستمرة وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب لتبدأ بعدها ورشة إعادة الإعمار.

حتى الآن لا توافق محلي وخارجي على تكليف مجلس الجنوب مهمة اعادة اعمارالجنوب وتسلم المساعدات الخارجية من اجل ذلك. ووفق مصادر مطلعة على الملف ، فإن جهات خارجية تضع شروطا للمساعدة ابرزها معرفة اسم الرئيس العتيد والمواصفات التي على أساسها يتم التفاوض بين الكتل النيابية واسم رئيس الحكومة واعضاء الحكومة.

وفي وقت يعوّل نواب الثنائي الشيعي على تولي مجلس الجنوب مهمة الإعمار، ارتفعت أصوات جنوبية معارضة لفكرة تولّي مجلس الجنوب هذه المهمة لافتقاره إلى الخبرة والتقنيات والجهاز وفق ما تقول اوساط جنوبية حدودية في القرى المسيحية ، إضافة إلى فقدانه الشفافية، واعتماده الاستنسابية في عمله وانحرافه سياسيًا لمصلحة الثنائي والاهتمام بالاولويات التي يطلبها .

إنطلاقا مما تقدم بات من الواضح أن سيناريو إعادة الإعمار عقب حرب تموز 2006 لن يتكرر. فإلى جانب الشروط الدولية التي قد تكون قاسية جداً لمدّ لبنان بالمليارات اللازمة لإعادة الإعمار، لن تكون الدولة اللبنانية قادرة على المساهمة بأي مبلغ، نظراً للانهيار المالي والاقتصادي منذ العام 2019، والذي تفاقم بشدة نتيجة الحرب الأخيرة.

وبانتظار صدور التقرير النهائي لمسح الأضرار لا تزال الأرقام متفاوتة بانتظار تشكيل اللجان التي ستعمل على الكشف والمسح. وبحسب تقرير صادر عن البنك الدولي فقد بلغ عدد الوحدات السكنية التي تضررت حوالى 110,000 وحدة، منها 50,000 دُمّرت كليًا، و60,000 تضررت جزئيًا. وأفادت فرق تقييم الأضرار التابعة للبنك الدولي بأن الأضرار المادية المباشرة ستصل إلى 3.4 مليار دولار على الأقل، بينما تُقدر الخسائر الاقتصادية العامة بنحو 5.1 مليار دولار، من بينها تأثيرات كبيرة على قطاعات الزراعة والتجارة.

مع صدور هذا التقرير صرّح وزير الاقتصاد أمين سلام، بأن الخسائر التي لحقت بالاقتصاد تتجاوز 20 مليار دولار، مشيرًا إلى أن إعادة الإعمار قد يتطلب بين 20 و30 مليار دولار.

رئيس مؤسسة "جوستيسيا" الحقوقية في بيروت والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ المحامي الدكتور بول مرقص يوضح لـ"المركزية"أن مع تجاوز الدين العام نسبة 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، تظل الحكومة اللبنانية عاجزة عن تأمين التمويل اللازم، ويبقى الدعم الدولي من الجهات المانحة، مثل صندوق النقد الدولي، مرهونًا بتنفيذ الإصلاحات السياسية والتنظيمية، التي تبدو بعيدة المنال في الأمد القريب".

ما بعد حرب تموز 2006 لن يكون حتما كما بعد حرب أيلول 2024، إستنادا إلى الوقائع التالية" بعد حرب تموز 2006، قاد حزب الله جهود إعادة الإعمار في العديد من المناطق المدمرة، معتمدًا على الدعم المالي من قطر وإيران وشبكاتها، مثل "القرض الحسن"، و"جهاد البناء". ولكن في ظل التطورات الأخيرة، فإن هذا السيناريو لم يعد وارداً للأسباب التالية: أولاً، استهداف معظم فروع "القرض الحسن" منذ تصعيد الهجمات الإسرائيلية في أيلول، مما أدى إلى تدمير جزء مهم من احتياطاتها النقدية.

ثانياً، العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على إيران، التي تقلل قدرتها على دعم حلفائها الإقليميين.

ثالثاً، العقوبات الأميركية المفروضة على "جهاد البناء" منذ العام 2007، مما قيّد قدرتها على تمويل عمليات إعادة الإعمار مقارنة بما كانت عليه عام 2006".

وحول آلية التعويض القانونية يلفت الدكتور مرقص أن "ليس من قانون يجعل الدولة اللبنانية تتبع نهجا خاصا يرعى التعويض في كل الظروف، ويصارإلى إصدار تشريعات أو تدابير موقتة لتغطية احتياجات المرحلة".

في محاولة لضبط غضب بيئة الحزب التي وجدت نفسها بلا مسكن ومأوى ولا حتى مرجعية محلية أو إقليمية أو دولية للتعويض عليها، وفي ظل التململ الحاصل داخل هذه البيئة، أطلق حزب الله لجان إعادة الإعمار لإزالة آثار العدوان في ضاحية بيروت الجنوبية، ووضع آلية لمتابعة تعويضات المنازل والمؤسسات المتضررة، وتم تقسيم الضاحية إلى مربعات جغرافية، يشمل كل منهاعددا من الأبنية المتضررة أو المهدومة، كما طلب من المتضررين التواصل مع المسؤولين المحددين في نطاقهم الجغرافي لتسهيل عملية التعويضات.

لكن حتى الآن لا يزال العمل يقتصر على جمع داتا معلومات وتسجيل أسماء وأرقام أما التعويض فعلى الله وليس الحزب!

وتعليقا على تنازع الصلاحيات والصناديق المفترض أن تتولى عملية توزيع الأموال للتعويض على المتضررين يقول مرقص" ليتنا نقتدي بتجربة الكويت في التعويض على السكان اثر غزو العراق وطبعا مع الفارق في الوضعية الدولية لكن يمكن الاقتباس من التجربة الداخلية لناحية انشاء الهيئة العامة لتقدير الأضرار واعتماد تجربة رائدة على مستوى التنظيم الداخلي والمطالبة بالتعويضات".