صمت رسمي حيال الحزب ومسيّراته التي تشكل عائقاً امام مفاوضات الترسيم

بين التجاهل الكلي من اركان الدولة للدلالات الخطيرة التي اكتسبها تطيير “حزب الله” ثلاث مسيرات، ولو منزوعة الصواريخ والمتفجرات، فوق حقل “كاريش”، واكتفاء وزير الخارجية بالتقليل من “البعد الحربي” لهذا التطور، شكل ملف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل “حقل الرماية” الأساسي في الرسائل المتعددة الأهداف التي تطايرت من المسيرات التي دمرتها إسرائيل. ذلك ان اخطر الاستهدافات اطلاقا تمثل في انزلاق مفاوضات الترسيم، بعدما تبلغ الرؤساء الثلاثة ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب من السفيرة الأميركية دوروثي شيا رسميا معطيات إيجابية عن تقدم يحرزه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين تمهيدا لاستتئناف المفاوضات غير المباشرة حول ملف الترسيم، نحو تداعيات مواجهة محتملة مباشرة بين “حزب الله” وإسرائيل، وبالواسطة بين إسرائيل وايران، بما يهدد هذه المفاوضات بالاخفاق واثارة توترات إقليمية. يؤكد ذلك ما نقل من ان احدى ابرز الرسائل التي أراد “حزب الله” اطلاقها يوم السبت يتصل بالرد على انتهاك إسرائيل للأجواء اللبنانية صباح السبت في استهدافها ما ذكر بانها مخازن أنظمة دفاعية إيرانية ولـ”حزب الله” في جنوب طرطوس، بما يدلل في حال صحة ذلك الى ارتفاع خطير في وتيرة التوتر الإقليمي الرباعي الذي يشمل إسرائيل وايران وسوريا و”حزب الله” وتمدد هذه التطور العملاني نحو ملف الترسيم والتنقيب عن الغاز في المنطقة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل. واذا كان هذا البعد يبدو الأكثر جدية في مضمون التصعيد الجديد، فمن غير الممكن أيضا تجاهل مغزى حصول هذا التطور تحت انظار وزراء الخارجية والمندوبين العرب الذين كانوا مجتمعين في بيروت السبت الماضي. لذا بدت الدولة اللبنانية، في تجاهلها كل هذه الدلالات كأنها تثبت واقع تغييبها واستسلامها لكل العوامل الذي تجعل دورها شكليا وهامشيا ومستتبعا.

ولكن الإحراج الذي لازم موقف الدولة زاده تفاقما ما ذكر من أنّ الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين أجرى اتصالات بمسؤولين لبنانيين معنيين بملف الترسيم بينهم نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، وطلب توضيحاً لما جرى بشأن إطلاق “حزب الله ” طائرات مُسيّرة باتجاه حقل كاريش، السبت. واعتبر هوكشتاين أن إرسال “حزب الله” لتلك المسيرات من شأنه إيقاف جهود التفاوض، وقد يؤثّر على الإيجابية التي رشحت عن المُحادثات الأخيرة.

ولعل المفارقة اللافتة انه على رغم كل هذه الابعاد التي تتهدد ملف المفاوضات، فان وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب حافظ على وتيرة تفاؤله فتوقع التوصل “إلى اتفاق في مسألة ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، في شهر ايلول”. واشار الى ان ” المعلومات الواردة من الأميركيين والأمم المتحدة تقول إن هناك تقدما في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية”.

ولكن في المقابل اعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد يائير لبيد امس أن “حزب الله” يشكّل عقبة أمام اتفاقٍ بين لبنان وإسرائيل على ترسيم حدودهما البحرية. وقال إن “الحزب يواصل السير في طريق الارهاب ويقوّض قدرة لبنان على التوصّل إلى اتفاق حول الحدود البحرية”. وأضاف خلال الاجتماع الأول لحكومته بعد أيام على حل البرلمان تمهيداً لانتخابات تشريعية جديدة أن “إسرائيل ستواصل حماية نفسها ومواطنيها ومصالحها”.

وكان ملف الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل قفز الى واجهة المشهد اللبناني مساء السبت مع اعلان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أنّ “طائرات حربية وسفينة صواريخ إسرائيلية قامت باعتراض ثلاث طائرات مسيرة اقتربت من جهة لبنان نحو المجال الجوي فوق المياه الاقتصادية لدولة إسرائيل”.

وقالت مصادر واسعة الإطلاع لـ «الجمهورية» ان هوكشتاين كان متخوفًا من هذه العملية ومتوجسًا من ردّات الفعل عليها، لما تشكّله من عقبة قد تودي بما تحقق في المفاوضات من إيجابيات، تنعكس سلبًا على مهمته في المستقبل.

وفي معلومات «الجمهورية»، انّ السفيرة الاميركية دوروثي شيا اتصلت بالمسؤولين اللبنانيين، مواكبة ما حصل، والتشاور في ما يمكن القيام به لحماية ما تحقق في المفاوضات الجارية، وخصوصًا انّها عادت من واشنطن بأجواء ايجابية.