المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الكاتب: ميريام بلعة
الخميس 23 كانون الثاني 2025 14:29:21
تنحَبِس الأنفاس ترقباً لتصاعد الدخان الأبيض من القصر الجمهوري إيذاناً بإنجاز التشكيلة الحكومية المأمولة والمعوَّل عليها تعبيد الطريق أمام انطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتعزيز الاتفاقات مع البنك الدولي لبدء الخطوات الأولى في مسار النهوض والتعافي، خصوصاً مع تنامي الحديث عن زيارة مرتقبة لوفد من صندوق النقد فور تأليف الحكومة، ورغبة البنك الدولي في المشاركة في ورشة إعادة الإعمار في المناطق المهدَّمة والمتضرّرة بفعل الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان..
تشكّل هاتان المؤسستان الماليتان، إذا ما نجح لبنان وتحديداً الحكومة العتيدة في أن يحظى بثقتهما وبالتالي الحصول منهما على القروض المطلوبة، نافذة واسعة له للولوج إلى مؤسسات مالية أخرى كالبنك الأوروبي للاستثمار وغيره من أجل الحصول على قروض إضافية وهبات تمكّنه من النهوض من كبوَته الاقتصادية والاستثمارية والمالية.
..."البنك الدولي قدّم ولا يزال قروضاً للبنان من أجل تمويل مشاريع معيَّنة، وهي بالإجمال قروض صغيرة"، بحسب رئيس دائرة الأبحاث الاقتصادية والمالية في بنك بيبلوس الخبير الاقتصادي الدكتور نسيب غبريل.
ويكشف عبر "المركزية" عن مشاركته في اجتماع عُقِد فور بدء تنفيذ وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الفائت، برئاسة مدير البنك الدولي الذي تحدث عن نيّة البنك بتمويل ورشة إعادة الإعمار.
ونقل عنه غبريل قوله "أولاً: يمكن تحويل جزء من القروض التي سبق ومنحها البنك الدولي للبنان لتمويل مشاريع محدّدة، إلى تغطية تكاليف إعادة الإعمار كما سبق وفعل في بلدان أخرى وفي حالات مغايرة... ثانياً: حتى لو قرّر البنك الدولي تمويل جزء من إعادة الإعمار بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لا يستطيع إعطاء قروض بمبالغ كبيرة لأن الدين العام في لبنان لا يزال بمعدلات مرتفعة نسبةً إلى الناتج المحلي، كما أن الدولة اللبنانية لم تبدأ حتى الآن بالمفاوضات المطلوبة مع حاملي سندات الـ"يوروبوندز"، لذلك على لبنان أن يعتمد أكثر على الهبات وليس على القروض".
أما عن الدعم المالي المرتَقَب من صندوق النقد الدولي، فيذكّر غبريل بالزيارة الأخيرة لبعثة الصندوق إلى لبنان في أيار 2024 "حيث أعلنت البعثة في اجتماعاتها الخاصة أن الاتفاق الأوّلي الذي وقّعته الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد في 7 نيسان 2022 قد مرّ عليه الزمن وأصبح بحاجة إلى تحديث ليس فقط للأرقام فحسب بل إلى مضمونه أيضاً..."، وبالتالي بحسب غبريل "توقّف العمل بهذا الاتفاق بالنسبة إلى إدارة صندوق النقد وباتت تنتظر انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان وتشكيل حكومة جديدة، على أن يتوجّه وفد من الأخيرة للاجتماع بإدارة صندوق النقد لإطلاعها على مطالب الحكومة الجديدة حيال الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان".
وهنا يؤكد غبريل أن "الحكومة العتيدة ستعود وتفتح قنوات التواصل مع إدارة صندوق النقد لتُعيد تقديم برنامج إصلاحي جديد"، متمنياً أن "يكون مختلفاً عن برنامج حكومة تصريف الأعمال الحالية، وأن تُفاوض فعلاً صندوق النقد لا أن تسأله ماذا يريد من لبنان لإعطائه القروض! لأن إدارة الصندوق لا تفرض شروطها على بلدٍ ما لإقراضه، إنما السلطات المحلية التي تطلب الاستدانة من صندوق النقد، ترفع إليه برنامجاً إصلاحياً ثم تضع إدارة الصندوق الأولويات التي تراها مناسِبة للبلد وشعبه. عندها تتفاوض السلطة المحلية مع المسؤولين المعنيين في صندوق النقد حول مضمون هذا البرنامج – الخطة، ويُبدون ملاحظاتهم عليه".
ويوضح في السياق، أن "صندوق النقد هو مصرف يُقرِض الدول بمليارات الدولارات وأولويّته غير المعلنة هي التأكّد من أن الدولة المقترِضة تسدّد القروض في الوقت المتوافَق عليه وفق جدول زمني محدَّد. وهو بات اليوم ينتظر خطة كل بلد لمناقشتها مع السلطات المعنية فيه... إذ بالنسبة إليه يجب أن يكون هناك إجماع واسع على هذه الخطة داخل هذه السلطات لتبنّيها من قِبَل الغالبية كي تتوفّر لها فرص النجاح".
من هنا، يتابع غبريل، "يأتي ضغط صندوق النقد على بلدان معيّنة لتخفيف التزاماتها المالية الأخرى كالدين العام وغيره، لأن الأولوية بالنسبة إليه هو تسديد القروض المستحقة له. وبالنسبة إلى لبنان، يعتبر صندوق النقد أن أي اتفاق معه سيفتح الباب أمام لبنان للاستدانة من المؤسسات المالية المتعددة الأطراف الأخرى كالبنك الأوروبي للاستثمار وغيره. والجدير ذكره أن صندوق النقد يراقب مسار الإجراءات التي اتفق عليها مع البلد المقترِض، ما قبل التسليف وما بعده. وكلما حققت السلطة المحلية المعايير المطلوبة، يحرّر الصندوق جزءاً من الأموال المشمولة بالقرض".
في ضوء هذا العرض، يبقى ترقّب تشكيل الحكومة الجديدة لمعرف ماهيّتها و"قماشتها" غذا صحّ التعبير، لتبيان ما إذا كانت ستقدِّم برنامج – خطة مغايراً لبرنامج الحكومة الحالية، أم سيكون مطابقاً أو متشابهاً عندها سيبقى التفاوض معلّقاً على حبال الإصلاحات المنتظَرة والدين العام المحلّق من دون سقف...