المصدر: نداء الوطن
الكاتب: لوسي بارسخيان
الأربعاء 15 كانون الثاني 2025 07:24:06
تتردّد أصداء "خطاب القسم" غير المسبوق لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون منذ التاسع من كانون الثاني الجاري، في ثلاثة عشر مخيماً للاجئين الفلسطينيين على مختلف الأراضي اللبنانية أيضاً. فالعهد الذي أطلقه رئيس الجمهورية تجاه من وصفهم بـ "الإخوة" مرتين، جرى تلقّفه من قبلهم بإيجابية يبدو أنها ستكون مبشرة للانطلاق في إرساء علاقة جديدة لهذه المخيمات مع سلطة الشرعية. فالرئيس لم يساوم في الثوابت. قالها بوضوح: التوطين مرفوض، وحق الفلسطينيين بالعودة وحلّ الدولتين يجب أن يكون محفوظاً. وهذا ما يجب ألا يتناقض مع بسط شرعية الدولة وأمنها على مخيمات اللجوء، في مقابل واجبها بحفظ كرامة قاطنيها الإنسانية. فهل يسجل لبداية عهد رئاسي جديد طي صفحة هذه المخيّمات في افتعال المشكلات، وإخضاعها لسلاح الدولة الواحد بعد طول هذه السنوات؟
لا يأتي ذكر الفلسطينيين في خطاب القسم من فراغ. بل ينسجم مع تعهّدات العهد بإزالة ونزع كل سلاح غير شرعي، في جنوب الليطاني وشماله، تطبيقاً للقرارات الدولية، وفي طليعتها القرار 1701. وهذا ربّما ما يجعل اللبنانيين أكثر ثقة اليوم بأن الرئيس سيفي بعهده هذا لهم، وإن جاء بعد مسار طويل من الحوارات والتعهدات التي أطلقت لنزع هذا السلاح أو تنظيمه، داخل المخيّمات وخارجها، مستندين في ذلك إلى ما أضافه عون لرصيده العسكري قبيل انتخابه رئيساً للجمهورية، من سيطرة عسكرية كاملة على المعسكرات التابعة للجبهة الشعبية - القيادة العامة.
النيات حسنة
جرى اجتماع بين لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني المشكّلة في لبنان منذ العام 2006 مع الفصائل الفلسطينية، للبحث في استراتيجيات الإدارة الأمنية للمخيّمات، وأعلن عن الانتهاء رسمياً من مرحلة إزالة السلاح الفلسطيني خارج المخيّمات، ممهّداً الطريق لانطلاق الخطوات العملية في فرض سيادة الشرعية وسلطتها الأمنية داخلها.
السلاسة التي تمّت من خلالها عملية تسليم معسكرات البقاع التابعة للجبهة في منطقة البقاع، ومن دون أي تشويش سياسي أو أمني من داخل المخيّمات، ترجمت بحسب أوساط الفصائل "حسن نيات" لا بدّ أن ينسحب أيضاً على مسألة تحديد أطر الإدارة الأمنية المستقبلية لمخيّمات اللاجئين.
فعلى الرغم من الظروف الإيجابية التي وفّرها سقوط نظام الأسد بسوريا، يكشف الدكتور باسل الحسن رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني لـ "نداء الوطن" "أن إزالة السلاح خارج المخيمات بدأت عملياً في شباط 2022 وكانت البداية مع مخيم البداوي في شمال لبنان، حيث نجحت اللجنة بالتنسيق المطلق مع قيادة الجيش في التوصل إلى اتفاق على تفكيك 900 صاروخ غراد. وكان يفترض الانتقال في المرحلة الثانية إلى معسكرات البقاع، إلّا أنه نتيجة لوقوع أحداث تشرين 2023 أعيدت جدولة المراحل، وتمّ الانصراف إلى معسكرات الناعمة أولاً، وسلّمت الأراضي التي كان يصادرها، إلى أصحابها، قبل أن تتسارع الخطوات مع سقوط نظام الأسد، الذي كانت هذه المعسكرات التابعة لأحمد جبريل في البقاع تحتمي بوصايته".
بحسب الحسن "ترجم إنهاء واقع هذه المعسكرات، الإرادة السياسية اللبنانية بإقفال الملف بشكل نهائي، في مقابل التعاون الذي أبرزته الفصائل الفلسطينية، والذي لا بدّ أن ينسحب على الاستراتيجية الموضوعة مع قيادة الجيش لضبط السلاح داخل المخيمات أيضاً".
مسار حقوقي موازٍ للمسار الأمني
بعيد اندلاع أحداث 8 تشرين الأول من العام 2023، تحمّلت لجنة الحوار مسؤولية منع أي نشاط عسكري للفصائل الفلسطينية على الحدود اللبنانية، تأكيداً على الالتزام بالقرارات الدولية أيضاً. وكانت هذه بداية ليبدأ البحث جدياً في مسألة ضبط السلاح داخل المخيّمات بشكل مستدام. وبحسب الحسن "الحوار إيجابي جداً ووصلنا إلى تفاهمات، سننتقل بها إلى مرحلة التنفيذ من دون تأخير".
إلّا أن المسار المؤدي إلى هذه الإدارة الأمنية "الشرعية" للمخيّمات لا يبدو منفصلاً عن مسار حقوقي إنساني تمّت المباشرة به أيضاً.
في هذا الإطار، يكشف الحسن عن قوانين خاصة بتنظيم واقع اللجوء الفلسطيني تدرس حالياً، وهي قوانين يطمئن إلى كونها تؤمّن الحقوق "الإنسانية" للفلسطينيين وإنما من دون المسّ بمقدمة الدستور، لا سيّما في البند المتعلق منه برفض التوطين. ويوضح "أن لجنة الحوار اقترحت قانوناً يدرس حالياً في هيئة التشريع والاستشارات بوزارة العدل، تمهيداً لوضعه على طاولة اللجان النيابية لدراسته قبل إقراره في الهيئة العامة".
يشرح الحسن "أن القانون المقترح يحفظ حق التملك للفلسطينيين وإنما مع تحديده بنسب معينة. كما أنه يبحث في حقهم بالعمل، الذي سينقسم النقاش حوله بين جزءين، واحد مرتبط بالقانون والثاني بالنقابات. مشيراً إلى أن الجزء المرتبط بالقانون قطع شوطاً في تحديد أنواع المهن التي يمكن للقوى العاملة الفلسطينية ممارستها، وتكون مفيدة للاقتصاد اللبناني ولا تلحق ضرراً به، بينما الجزء النقابي يحتاج إلى مزيد من الوقت لينطلق بالبحث".
الدول الداعمة إما شريكة أو معرقلة
هذا البحث لا ينفصل عن نقاشات تخاض مع منظمة "الأونروا" لزيادة تقديماتها داخل المخيمات. علماً أن لبنان الذي ترأس لجنتها الاستشارية في العامين 2023 و2024 نجح برفع ميزانية الوكالة للمرة الأولى بتاريخها من 900 مليون دولار إلى مليار و400 مليون دولار، ووضع خطة قائمة على بعدين داخلي وإقليمي، فتحت آفاقاً جديدة في سياسات دعم اللاجئين الفلسطينيين بمختلف أماكن تواجدهم ومن بينها لبنان. وهذا ما يخشى الفلسطينيون خسارته مجدداً، خصوصاً مع قرار الولايات المتحدة بوقف تمويلها المنظمة قبل أن تتبعها في ذلك السويد أيضاً.
وانطلاقاً من هنا، قد يعتبر المجتمع الدولي شريكاً للبنان في تسهيل فرض شرعيته على هذه المخيمات أو عرقلتها. فإما أن يحافظ على دعمه المنظمة التي تعنى بصحة الفلسطينيين المهجرين وتعليم أولادهم وتأمين فرص العمل لهم، أو أنه يدفع بهم إلى أحضان البؤر الأمنية. خصوصاً أن الأوضاع الاجتماعية كما يقول أمين سر اللجان الشعبية سرحان سرحان "عامل مساعد لتوسع البؤر، وهناك جهات قد تستخدم الوضع السيئ في مخيماتنا، وتستغل الواقع الاجتماعي الهش في محاولة لزعزعة استقرارها".
هذا في وقت يعتبر خالد عثمان أمين سر هذه اللجان في البقاع "أن وصم المخيمات كلها بالبؤر ظلم لشبابها المثقف، الذي يجتهد ليتعلم، لأنه يضع نصب عينيه دائماً أنه في يوم ما سيكون له وطن يبنيه. بينما يتحول علم الشباب إلى عبء عليهم في لبنان، من جرّاء منعهم من مزاولة أي مهنة".
ماذا عن أمن المخيّمات والضمانات المقدّمة لها؟
يتوافق المعنيون بالملف الفلسطيني مع الحسن على أن "نيل الحقوق العادلة يدفع المخيمات إلى تنفيذ الاستراتيجية المتعلقة بضبط السلاح بشكل انسيابي وإيجابي من دون الإساءة إلى المصلحة الوطنية العليا". فيما يكشف الحسن "أن الأرضية باتت جاهزة لبناء تفاهم حول كيفية إدارة ملف الفلسطينيين، ومن ضمنها ملف السلاح".
إلّا أنه لدى التطرق لموضوع تنظيم هذا السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، تحضر كل الهواجس غير المنفصلة عن سياق الأحداث التي شهدها لبنان على مرّ عقود، والتي تطوّر بعضها إلى صدامات دموية بين الطرفين. من هنا يتوجّس اللبنانيون بشكل دائم من هذا السلاح ولديهم شكوك راسخة حول وجهة استخدامه. فيما لا يخفي الفلسطينيون خشيتهم من النيات المخبأة من وراء طروحات نزعه أو تنظيمه. وربما تكون هذه الهواجس هي ما أبقى الحال على ما هو عليه من فوضى شاملة.
لا يرى رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني في المقابل تبريراً لهذه الهواجس، بل يعتبر "أن حضور الدولة بأجهزتها الشرعية يشكل ضمانة الأمن للجميع". مذكراً "أن السلاح الذي يقال إنه يحمي اللاجئين أساء إليهم قبل سواهم" متحدثاً "عن أكثر من مئة قتيل فلسطيني يسقطون سنوياً في المخيمات بسبب الاستخدام العشوائي لهذا السلاح. ونحن لا نتلمّس موقفاً لبنانياً حتى الآن، لا علناً ولا ضمناً، يظهر أنه لدى أي طرف، نوع من المراجعات التي قد تؤدي إلى التمسّك بنظريات سابقة من المنطق العدائي تجاه اللاجئين الفلسطينيين".
حوار فلسطيني فلسطيني لإزالة السلاح؟
يقرّ سليمان فيومي مسؤول حزب الشعب الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية بأن بعض السلاح الفلسطيني أساء إلى المخيمات وسكانها قبل إساءته للبنانيين. وهو شرّع الأبواب أمام حاملي أجندات خارجية لديها أهداف كبيرة ويقول "يؤلمنا كثيراً أن يستخدم السلاح الفلسطيني بوجه اللبناني أو الفلسطيني، بينما مخيماتنا هي عنوان العودة، وهذا هو الهدف الأسمى لسلاحنا".
في كلام فيومي إشارة إلى الأحداث التي شهدها مخيم عين الحلوة قبل أقل من شهر من اندلاع حرب إسرائيل الأخيرة على غزة. حينها كادت ردات الفعل على اغتيال قائد الأمن الوطني بمدينة صيدا العميد أبو أشرف العرموشي، تسوّي أكبر المخيمات الفلسطينية على رأس قاطنيه.
هل نحن بحاجة إلى حوار فلسطيني فلسطيني- أولاً- يتوافق على وضع سلاح الفصائل بإمرة الشرعية اللبنانية؟
تقرّ الأوساط الفلسطينية بصراع النفوذ القائم بين فصائلها. لكنها تتحدث أيضاً عن أرضية مشتركة بين أهلها، قوامها التوافق على تأمين حقوقهم الإنسانية، وهذا ما يجعلها توحد جهودها تحت سقف أمانة سر اللجان الشعبية، التي تعمل جاهدة على إبقاء خطوط التواصل مفتوحة بينها وبين الشرعية اللبنانية.
أمين سر هذه اللجان سرحان سرحان يؤكد من جهته، نظرية الارتباط بين تأمين الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والاستقرار الأمني. لكنه يذكر بأن "سلاحنا مرتبط بحق العودة." وعليه يدعو المجتمع الدولي "مثلما يفرض تطبيق القرارات الدولية بنزع كل سلاح خارج الشرعية في لبنان أن يعمل على تطبيق سائر قراراته المتعلقة بحقّ الفلسطينيين، ومن بينها الـ242- 338- 194. آملاً أن تشمل الحلول أيضاً حلاً للقضية الفلسطينية وتثبيت حق الشعب الفلسطيني بدولة ولو على جزء من أرض". معتبراً أن لبنان ليس وحده في الساحة، معولاً بالتالي على تحوّلات مهمة جداً ستحصل في المنطقة.
هل ينسحب رأي سرحان على كل الفصائل حتى تلك التي تعتبر أكثر تطرفاً منها؟
هناك من يؤكد وجود "قوى إسلامية وفصائل لا تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي، لكنها تنضوي في هيئة العمل المشترك. وهذه الفصائل تمون على سواها من الحركات الإسلامية. كمثل حماس، حركة الجهاد الإسلامي "الحركة المجاهدة" و "أنصار الله" وهؤلاء يمونون على الجماعات الإسلامية في عين الحلوة وغيرها".
حسن الجوار وتجنيبه الخضات
في المقابل، يؤكد الفيومي "أن الفصائل الفلسطينية أياً كان الخلاف بينها حريصة على أمن المخيّمات، وعلى حسن الجوار وتجنيبه الخضات. لذلك هي تسعى بشكل دائم لعدم تكرار ما حصل في نهر البارد من خلال تسلل العناصر الدخيلة التي يمكنها أن تورّط المخيمات في ما لا ترغب به".
ويتحدث "عن محاولات تنسيق بذلت، لتوحيد جهود الفصائل حتى على مستوى تأمين أمن المخيمات". ويشرح "أن حركة فتح وحركة التحرير الفلسطينية اقترحتا في ظلّ التبدلات الحاصلة على الساحة المحلية والإقليمية إشراك كل القوى في صفوف "الأمن الوطني الفلسطيني" التي تخضع لتدريبات دورية بموافقة أمنية لبنانية، وهناك ثماني دورات جرت لها حتى الآن في مخيم الرشيدية". ويشدد "أننا كفلسطينيين لن نكون إلّا داعمين لحالة الاستقرار في لبنان، لأن استقرارنا من استقراره." رافضاً "أن يعتبر الحديث عن الحقوق الإنسانية للاجئين مقايضة لها بتنظيم السلاح في المخيمات".
أمن ذاتي مواكب لسقوط الأسد
أرخت الحوادث التي وقعت في سوريا منذ بدء ثورتها بثقلها على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وفيما حرصت معظم هذه المخيمات على عدم استقبال أي شخص غير فلسطيني، لفت أمين سر اللجان الشعبية سرحان سرحان "أن القلق كان كبيراً، خصوصاً في مخيمات بيروت والشمال، من تسلل داعمي نظام الأسد إليها ـ إثر سقوطه، وافتعال المشكلات، لذلك شكّلنا لجاناً أمنية من خلال اللجنة الشعبية مع فصائل منظمة التحرير وفصائل أخرى موجودة في المخيمات واعتمدنا استمارة باسم اللجان الشعبية لكل شخص من غير سكان المخيم. وإذا تبين أن الشخص قد دخل إلى لبنان بشكل غير شرعي لا نستقبله". موضحاً "أن هذه الإجراءات جاءت تجنباً لأي خضة أمنية في المخيمات. علماً أن لكل مخيم ضابط اتصال على تواصل دائم بالأجهزة الأمنية اللبنانية. وهناك الكثير من المطلوبين حاولوا الاحتماء في المخيم، وقد عملنا على اعتقالهم وتسليمهم إلى الدولة".