ضربة استباقية تسقط شبكة "الإخوان" بين عَمّان وبيروت

لم يعد تنظيم "الإخوان المسلمين" في الأردن مجرّد فاعل سياسي طُوي بقرار قضائي. القصة تجاوزت الأيديولوجيا والمناكفات الحزبية، لتتحوّل إلى إنذار أمني داهم، بعد أن كشفت التحقيقات تورّط عناصر من التنظيم المنحل في تشكيل خلايا مرتبطة بتنظيمات خارجية خطرة. فالتنظيم، الذي حُلّ رسمياً عام 2020، لم يغادر المشهد فعلياً، بل أعاد تموضعه من خلال حزب "جبهة العمل الإسلامي"، الواجهة السياسية الجديدة التي لا تزال تُمسك بنحو 22 في المئة من مقاعد البرلمان الأردني.

القلق اليوم ليس من الخطاب العلني، بل ممّا يُحاك في الخفاء. ويأتي ذلك في وقت أعلنت فيه السلطات الأردنية، سلسلة من القرارات الحاسمة في مواجهة التنظيم، في خطوة وُصِفت بأنها "إعلان حرب شاملة" على نشاطاته. تضمّنت الإجراءات حظر كلّ نشاطات ما يُعرف بـ "جماعة الإخوان المسلمين"، ومنع التعامل معها أو نشر ما يصدر عنها وعن كافة واجهاتها وأذرعها السياسية، واعتبارها جمعية غير مشروعة، ومنع الترويج لأفكارها أو تداول خطابها، فضلاً عن اعتبار الانتساب إلى الجماعة المنحلة فعلاً محظوراً قانونياً. كما شملت القرارات إغلاق كلّ المكاتب أو المقار التي تُستخدم من قِبل الجماعة، حتى وإن كانت مشتركة مع جهات أخرى، إلى جانب مصادرة ممتلكاتها بناءً على الأحكام القضائية ذات الصلة.

تعكس هذه الخطوات توجّهاً رسمياً واضحاً لإنهاء أي وجود تنظيمي أو عسكري للجماعة داخل الأردن، بعد ثبوت تورّطها المباشر في تجنيد أشخاص وتدريبهم بشكل غير مشروع وتهديد أمن المملكة واستقرارها.

شبكات متشعّبة تتساقط 

كشفت مصادر أردنية مطّلعة لـ "نداء الوطن" أن العلاقة بين "الإخوان" وحزب "جبهة العمل الإسلامي" كانت تعتمد على التنسيق المباشر بين كوادر الجناحين، ما تجاوز الأبعاد السياسية ليصل إلى تهديد الأمن القومي الأردني.

وبحسب المصادر، امتدّ التنسيق بين "الإخوان" في الأردن وحركة "حماس" و "حزب اللّه" ضمن شبكة أمنية عابرة للحدود تخدم أجندات خارجية. لم تقتصر الأنشطة على التجسّس أو التمويل، بل كانت تستعدّ لتنفيذ عمليات أمنية وعسكرية داخل الأردن. وتشير المعطيات إلى أن العناصر المتورّطة تلقت تدريبات في معسكرات "حزب اللّه" في جنوب لبنان، وحصلت على تمويل إيراني لصناعة طائرات مسيّرة وصواريخ. يُتوقع أن يترك هذا الحدث أثراً عميقاً على الحياة السياسية في المملكة، مع طرح سيناريوات لحلّ مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة بعد تعديل قانون الانتخاب.

اهتزازات تحت قبة البرلمان

الإعلامي الأردني عامر السالم، وفي حديثه لـ "نداء الوطن"، أكّد أن نواب مجلس الشعب الأردني لم يكتفوا بقرار حزب "جبهة العمل الإسلامي" بتجميد عضوية ثلاثة أشخاص وردت أسماؤهم في لائحة الاتهام الصادرة عن النيابة العامة لمحكمة أمن الدولة، في القضية المتعلّقة بتوقيف مجموعة من الأشخاص المتهمين بارتكاب "جناية تصنيع أسلحة بقصد استخدامها على وجه غير مشروع، والقيام بأعمال من شأنها الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر".

وأشار السالم إلى أن الجلسة الأخيرة لمجلس النواب شهدت مواقف صاخبة، حيث تعالت أصوات مندّدة بأي جهة أو تنظيم أو حزب قد يمسّ بأمن الأردن واستقراره تحت أي ذريعة، وعدم استغلال القضية الفلسطينية أو غيرها.

لكن اللافت، بحسب السالم، أن بعض النواب تجاوز المألوف من عبارات التنديد والاستنكار، خصوصاً تجاه ما صدر عن بعض أعضاء "جبهة العمل الإسلامي" بخصوص عملية تصنيع الصواريخ الأخيرة، حيث سُمعت تحت القبة كلمات وُصِفت بأنها نابية وخارجة عن أدبيات العمل النيابي. وهو ما اعتبره كثير من المتابعين تجاوزاً غير مقبول، لا يليق بالمجلس، خصوصاً أن القضية ما زالت منظورة أمام القضاء، ولم يصدر فيها الحكم النهائي بعد.

وأوضح السالم أن هذا المشهد أثار موجة من الاستياء الشعبي، وانعكس مباشرة في مطالبات متزايدة عبر منصات التواصل الاجتماعي تدعو إلى حل مجلس النواب، معتبرين أن بعض المواقف والسلوكيات تحت القبة أصبحت تشكّل عبئاً على صورة الدولة ومؤسّساتها .

يواجه الأردن تحدياً معقّداً يتمثل في مشروع تخريبي يعتمد على أذرع محلية مترابطة مع شبكات إقليمية تهدّد استقرار المملكة. ومع ذلك، تثبت المملكة من خلال إجراءاتها الأمنية والقضائية الحاسمة أنها لن تتهاون مع أي تهديد للأمن الوطني. هي معركة دفاعية بين دولة تسعى إلى حماية استقرارها وأطراف تهدف إلى زعزعة أمنها من خلال أجندات إقليمية.