المصدر: المدن
الأحد 22 حزيران 2025 21:02:24
في أعقاب الضربة الأميركية غير المسبوقة على منشأة فوردو النووية في إيران، تتكشف تدريجياً ملامح العملية العسكرية التي استهدفت ما يُعد أحد أكثر المرافق النووية تحصيناً في العالم، حيث هزت قنابل خارقة للتحصينات عمق جبلٍ في محافظة قم، يُعتقد أن قلب برنامج التخصيب الإيراني يقبع تحت طبقات من الصخور والخرسانة المسلحة.
وأظهرت صور التقطتها شركة "Maxar Technologies" وتحليل أجرته شبكة "سي أن أن"، أن الغارات الجوية الأميركية خلفت ست حفر واضحة على امتداد سلسلة تلال فوق منشأة فوردو، هذه الحفر—التي وُصفت بأنها علامات اصطدام ضخمة—تشير إلى استخدام قنابل تزن 30 ألف رطل من طراز "GBU-57"، أُسقطت بواسطة قاذفات "B-2" الشبحية.
وكشفت الصور أيضاً تغيرات لونية في سفوح الجبل، حيث ظهرت طبقات كثيفة من الرماد الرمادي، ما يعكس اتساع نطاق الدمار فوق الأرض، لكن ما يقع تحت الجبل لا يزال محل غموضٍ كبير، في ظل غياب مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ الضربات الأولى التي بدأت بها إسرائيل يوم 13 حزيران/ يونيو.
غياب الرقابة الدولية
من جانبه، أعرب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، عن قلقه من تعذر وصول المفتشين إلى مواقع التخصيب منذ بداية التصعيد العسكري، موضحاً أن تقييم الأضرار تحت الأرض "لا يزال غير ممكن".
وأضاف في مقابلة مع "سي أن أن" : "نأمل العودة إلى فوردو ومواقع أخرى في أقرب وقت ممكن لتقييم الوضع ميدانياً".
بالمقابل، صرح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إيفي ديفرين، بأن "الجيش يواصل هجماته في إيران"، مشيراً إلى "مجموعة متنوعة من الأهداف" لا تزال في مرمى النيران، وأضاف أن "إسرائيل تواصل التنسيق الوثيق مع الشريك الأميركي"، وأن الاستعدادات جارية لـ"إطالة أمد الحملة".
اليورانيوم المخصب موجود
بدوره، أكد مستشار للمرشد الإيراني علي خامنئي أن بلاده لا تزال تحتفظ بمخزونها من اليورانيوم المخصب رغم الهجمات الأميركية على ثلاثة مواقع نووية.
وكتب علي شمخاني على منصة "أكس": "حتى لو دمرت المواقع النووية فإن اللعبة لم تنته. إن المواد المخصبة والمعرفة المحلية والإرادة السياسية باقية".
وأضاف أن "المبادرة السياسية والعملانية هي الآن لدى الطرف الذي يمارس اللعبة بذكاء ويتجنب الضربات العمياء. المفاجآت مستمرة".
منشأة محصّنة... لكن غير منيعة
وتعتبر فوردو أكثر من مجرد منشأة تخصيب، بل هي رمزية لمقاومة إيران السياسية والتقنية على حد سواء، حيث تقع على عمق مئات الأمتار داخل جبل، وقد صُممت لتحصين أجهزة الطرد المركزي ضد أي هجوم خارجي، لكن المسؤولين الأميركيين أكدوا أن الهجوم الأخير "ألحق أضراراً بالغة" بها، حتى وإن لم يدمرها بالكامل.
وقال مسؤول عسكري أميركي لشبكة " CNN"، إن الموقع بات "غير قابل للعمل في الوقت الحالي"، بينما أشار مسؤولان إسرائيليان إلى أن صور الأقمار الصناعية التي التُقطت قبل الضربة أظهرت حركة نقل لمعدات ويورانيوم من داخل الموقع، ربما استباقاً للهجوم.
بين التصعيد والتقييم
وفي حين أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الضربات "دمّرت بالكامل" منشآت إيران النووية، فإن تصريحات المسؤولين العسكريين، وعلى رأسهم الجنرال دان كاين، رئيس هيئة الأركان المشتركة، بدت أكثر تحفظاً، مؤكدين أن "التقييمات لا تزال جارية، وأن الأضرار جسيمة لكنها لا تُثبت انتهاء البرنامج النووي".
و قال وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث إن العملية "قصمت ظهر المشروع النووي الإيراني"، فيما رد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، قائلاً إن "البرنامج النووي ليس منشأة يمكن تسويتها بالأرض، بل هو معرفة لا يمكن قصفها أو محوها".
ماذا تبقّى من فوردو؟
وربما يكون السؤال الأكثر حسماً في هذه اللحظة: هل نجح الهجوم في تعطيل البرنامج النووي الإيراني بشكل دائم؟ أو هل ساهم فقط في تأجيله، كما يرى بعض المحللين الذين يقدّرون فترة التأخير بين عامين وخمسة أعوام؟، وهل كانت هناك بالفعل "مواقع ظل" نووية لا تخضع لتفتيش الوكالة الدولية ولا تعرفها الأقمار الصناعية؟.
الجواب على هذا السؤال يتجاوز الطابع الفني والهندسي، ليُشكل مفترق طرق استراتيجي، قد يحدد مصير المنطقة لعقود قادمة، إنه الجواب الذي قد يُقيم كلفة دخول أميركا مجدداً في صراع مفتوح في الشرق الأوسط، ومدى جدوى استخدام القوة لمنع طهران من الوصول إلى القنبلة النووية