ضغوط إسرائيلية تطوّق المهلة الأميركية للبنان.. سيناريو خطير و"حزب الله" خارج جنوب الليطاني؟

مع المهلة الأميركية للبنان أو الفرصة المتاحة لشهرين لإنجاز الدولة خطتها لحصر السلاح، تشتد الضغوط الإسرائيلية بين استمرار التلويح بالحرب، وما تحاول فرضه في التفاوض عبر لجنة الميكانيزم من شروط قاسية على لبنان تتعلق بالمنطقة الأمنية جنوباً. بينما تريد واشنطن توظيف الفرصة أولاً للانتهاء من جنوب الليطاني، ثم احتواء السلاح في شماله من خلال تقدم الجيش إلى المرحلة الثانية لإنهاء نفوذ "حزب الله". وبالتوازي يأتي التفاوض في لجنة الميكانيزم ليفتح مسارات جديدة تسعى واشنطن من خلالها للتوصل إلى اتفاق بين لبنان وإسرائيل يحسم مسالة الحدود وفق رؤية منطقة اقتصادية مع ترتيبات أمنية تؤمن لإسرائيل حماية مستوطناتها الشمالية.

ليست الفرصة الأميركية تغييراً في استراتيجية واشنطن، بل هي مرتبطة بتصوراتها للمنطقة، لكنها بالنسبة للبنان هي توجه جديد لمنع إجهاض ما تحقق مع العهد والحكومة والجيش، من دون أن يعني ذلك تخفيف الضغوط في الشأن المتعلق بـ"حزب الله" الذي بات شبه مقتنع بأنه لا يستطيع المناورة في جنوب الليطاني، وما عاد في إمكانه استخدام سلاحه أو توظيفه في المنطقة التي كانت تشكل ساحته المباشرة في حرب الإسناد، لكنه فقدها بعد الحرب الإسرائيلية التي استمرت 66 يوماً، ووافق على اتفاق وقف النار الذي ينهي سيطرته في جنوب الليطاني مع تسليم سلاحه للدولة اللبنانية.

وفي الواقع بات "حزب الله" خارج منطقة جنوب الليطاني، على الرغم من أن الترويج الإسرائيلي وزعمه أنه يعيد بناء قوته. لكن الوقائع تشير إلى أن الجيش اللبناني يتولى المسؤولية فيها، وهو يتحضر لإعلان انتهاء المرحلة الأولى في حصر السلاح جنوباً، في انتظار أن تنتج المفاوضات تقدماً يؤسس لانسحاب الجيش الإسرائيلي من النقاط المحتلة. وانطلاقاً من ذلك تتحضر الدولة لإعلان مجموعة استحقاقات مرتبطة باتفاق وقف النار، أولاً للتأكيد أمام الأميركيين أنها تتقدم في تنفيذ خطتها لسحب السلاح التزاماً بالتعهدات التي قطعتها وبالرهان على أن الولايات المتحدة ستضغط على إسرائيل للانسحاب تماهياً مع التفاوض في الميكانيزم، وثانياً لتجنب أي حرب إسرائيلية، وسحب الذرائع من أمام الاحتلال.

هذه التطورات لا تعني إلغاء احتمالات الحرب الإسرائيلية، إذ أن الأميركيين لا يرفضونها بالمطلق، لكنهم يستمهلون بما يتناسب مع خطتهم للمنطقة، خصوصاً بين سوريا ولبنان وإسرائيل، وبما يرتبط أيضاً بأي تطورات إيرانية محتملة، وهذا ما يفهم من الكلام الأميركي عن احتواء السلاح والمفاوضات مع إسرائيل. إذ تحاط المفاوضات المرتبطة بهذه الملفات أيضاً بتكتم، وإن كانت بعض النتائج تظهر على الأرض في جنوب الليطاني، إذ ينفذ الجيش اللبناني مهمات بالتنسيق مع اليونيفيل بطلب مباشر من اللجنة. وقد كان لافتاً ما تضمنه بيان الميكانيزم بعد اجتماعه الأخير بتهيئة ظروف عودة السكان بأمان ودعم إعادة الإعمار ومعالجة الأولويات الاقتصادية. لكن الفيتو الإسرائيلي يمنع أي خطوة قبل الاتفاق على ترتيبات أمنية تلي الانتهاء من سحب سلاح "حزب الله".

تكشف عملية التفاوض الخلل في موازين القوى، واستمرار التهديدات الإسرائيلية بالحرب. إذ أن الوجهة المقبلة التي بدأت تتكرس في الميكانيزم من خلال التفاوض أن على الجيش أن يقوم بمهمات التحقق، وهو ما يعني أن حصر السلاح يتم فعلاً بإشراف دولي مباشر، إضافة إلى الطلب الفرنسي من الجيش توثيق إجراءاته، وهو ما عكسه تقرير قائد الجيش في اجتماع باريس الرباعي. فيما تسعى إسرائيل إلى نقل التفاوض إلى مرحلة أخرى بالضغط لتشكيل لجان تفاوض لبحث ملفات مرتبطة بمستقبل المنطقة الحدودية.

تجنب التصعيد الإسرائيلي بات عنواناً للمرحلة المقبلة، إذ أن لبنان يتحرك على أكثر من مستوى بالتوازي مع التفاوض للحد من الشروط الإسرائيلية وتوفير الدعم لفرض الانسحاب الإسرائيلي، فيما تبقى الملفات معلقة باللقاء الذي سيعقد بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو في 29 الحالي. أما "حزب الله" ورغم ممانعته سيكون محرجاً أمام إعلان الجيش في جنوب الليطاني الانتهاء من عملية سحب السلاح، وهو يدرك أن المفاوضات بين لبنان وإسرائيل لن تتوقف عند الجانب الأمني، أقله وفق ما يخطط الأميركيون لمستقبل المنطقة.