المصدر: النهار
الكاتب: ابراهيم حيدر
الاثنين 13 تشرين الثاني 2023 07:32:36
ليس توسع العمليات العسكرية والقصف الإسرائيلي في جنوب لبنان سوى مؤشر على ما يمكن أن تذهب إليه التطورات في الميدان ربطاً بحرب غزة. ويبدو ان ما أشار إليه الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في كلمته في يوم الشهيد، من "أن المعركة اليوم مختلفة وهي أن الميدان هو الذي يفعل وهو الذي يتكلم في جبهة لبنان"، يوضح مستوى الخطر الذي يربط البلد بما يحدث في غزة من عمليات قتل وتهجير تنذر باشتعال الحرب الإقليمية والتي يشكل لبنان فيها الجبهة الأولى وربما الوحيدة على تماس مباشر مع الاحتلال الإسرائيلي من دون أن يكون القرار فيها للدولة، انما لمرجعيات إقليمية.
الوقائع على الجبهة الجنوبية تشير إلى أن لبنان ينجرف تدريجاً في مدار الحرب، ويتوسع القصف الإسرائيلي ليطال عمق الجنوب، فيما تستمر عمليات "حزب الله" تحت عنوان نصرة "حماس".
الأمر لا يقتصر على ما يمكن أن تحدثه عملية عسكرية هنا أو قصف هناك، بل بات السؤال الاساسي هو عن موقع لبنان في سياق حرب غزة، وما إذا كانت هناك سياسة حكيمة تعمل على إنقاذه ليس من "منطلق إشادة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بـ"حزب الله" ووطنيته العالية وعقلانيته"، بل بكيفية تحصين البلد وطنياً، ومن أن يكون ساحة الارتداد الوحيدة لتداعيات غزة وحمايته من الانزلاق في حرب لحسابات إقليمية في إطار الصراع في المنطقة.
وإذا كان ميقاتي قال إننا "وضعنا خطة طوارئ لثلاثة أشهر مقبلة إذا حصلت أي حرب في لبنان"، فإنه يعترف في ظل وضع عربي غير مواتي لمساعدة لبنان، بأن الحرب على جبهة لبنان محتملة، خصوصاً وأن البلد هو الحلقة الأخطر بعد غزة، ولذا تنصب الاتصالات الدولية المحذرة له كي لا تتطور الأمور إلى الاسوأ، خصوصاً إذا تمكنت إسرائيل من تحقيق تقدم في حربها المدمرة على حماس، وشن ضربات استباقية ضد "حزب الله" مباشرة، وهو ما قد يشعل الجبهة الكبرى المفتوحة في الاساس على كل الاحتمالات.
على هامش قمة الرياض ظهرت محاولات دبلوماسية عربية لتحييد لبنان عن حرب غزة، بعضها يندرج في إطار الضغوط لمنع توسيع دائرة المعارك خارج سياق قواعد الاشتباك وضبطها. والمعنى من هذه المحاولات أن لا يبقى لبنان أسير الميدان، ووفق مصادر دبلوماسية متابعة أبلغت دول عربية المسؤولين اللبنانيين وفي مقدمتهم ميقاتي، أن هناك خطراً حقيقياً من إمكان توجيه ضربات إسرائيلية للبنان إذا ذهبت الأمور بعيداً في ميدان غزة. وتكتسب هذه المحاولات التي تحمل أيضاً تحذيرات للبنان، من وقائع ما يحدث للفلسطينيين على الرغم من صمودهم في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية، إذ لم تنجح القمة العربية والإسلامية في الدفع أو فرض هدنة طويلة في غزة، فيما الفلسطينيون متروكون لمصيرهم بلا اي مقومات ولا مساندة خارجية فعلية، وهو الأمر الذي يجب أن يأخذه لبنان بعين الاعتبار.
في المعلومات تتحدث المصادر الدبلوماسية عن أن ترك الأمور للميدان لتحديد مسار توسع الحرب على جبهة الجنوب سلاح ذو حدين. فهو يبقي لبنان تحت دائرة الضغوط ويحمّله تبعات أنه الساحة الأساسية التي يؤدي فيها "حزب الله" دوراً باستهدافات إقليمية لا تحفظ مصالح البلد في ظل التوحش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، فيما الأولوية يجب أن تكون لإنقاذ لبنان بالعمل أولاً لعدم زجه في حرب كبرى وتجنيبه احتمالات التدمير والانهيار. وفي الوقت الذي لم تتمكن فيه إسرائيل من إنهاء المقاومة في القطاع رغم التدمير والمجازر، أو أقله لم تستطع تحقيق أهدافها وتتكبد خسائر، فإنها قد تبحث عن مخارج أخرى لمأزقها وفق المصادر الدبلوماسية، بتوسيع دائرة الحرب إلى جبهات أخرى منها لبنان خصوصاً عبر توجيه ضربة استباقية تستهدف مواقع "حزب الله" وتستبيح البلد بغرض التدمير، مستفيدة من الدعم الأميركي والدولي في حربها المعلنة، من دون أن يعني ذلك حدوث حرب إقليمية، كما جرى في عام 2006. وجاءت الغارة الإسرائيلية على منطقة الزهراني على بعد 40 كيلومتر عن الحدود إضافة إلى قصفها مواقع خارج منطقة عمل قوات اليونيفل، كمؤشر لهذا الاحتمال والاستعداد لتوسيع المواجهات والمعركة. وعلى هذا لم يعد احتمال انخراط "حزب الله" في الحرب يرتبط فقط بصمود حماس لمنع إسرائيل من تحقيق خطتها بكسر الحركة وتهجير الفلسطينيين، بل قد يندفع أكثر لمدها بالقوة، طالما أن إسرائيل قد لا تربط فتح جبهة جديدة بانشغالها فقط في غزة.
توسع دائرة الميدان، بدأ يترافق مع ضغوط دولية على لبنان تشدد على ضرورة الالتزام بالقرار 1701، وهو القرار الذي خرقه توسع المعارك والقصف، إذ تشير المصادر الدبلوماسية إلى أن إسرائيل أبلغت الأميركيين أنها بصدد توسيع دائرة القصف إذا بقيت الأمور على جبهة لبنان على حالها، وبالتالي قد تلجأ إلى حرب خاطفة تستهدف مواقع "حزب الله" ولبنان، في محاولة لفرض واقع جديد في جنوب الليطاني كمنطقة منزوعة السلاح، وهو ما اشارت إليه تصريحات عدد من مسؤولي الحرب الإسرائيليين. وقد جاءت التحذيرات الدولية لا سيما الأميركية لتشير إلى هذه النقطة المرتبطة بالقرار 1701.
وبالرغم من كل الرسائل الدبلوماسية الدولية إلى لبنان التي تحذره من التورط في حرب غزة، وهي موجهة إلى "حزب الله" أيضاً، إلا أن الوقائع على الأرض تنذر بمزيد من التصعيد. وعلى هذا تتزايد الضغوط على لبنان مدفوعة بمحاولات لتحييده أو على الأقل فصله عما يجري في غزة. التحذيرات الأكبر كانت أميركية عبر كبير مستشاري الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين لتخفيف وتيرة التصعيد على الحدود الجنوبية تجنباً لحرب كبرى محتملة سيكون لبنان ضحيتها، فيما حذر الفرنسيون عبر أكثر من موفد واتصالات من التورط أكثر في حرب غزة تجنباً لضربة إسرائيلية محتملة. وبما أن نصرالله ترك الأمور للميدان، فإن توسع المعارك يرتبط أيضاً بالصراعات في المنطقة والتي تتوسع بين الأميركيين والإيرانيين من سوريا إلى العراق واليمن. وعلى جبهة لبنان لا يمكن قراءة هذا التوسع إلا بوصفه رسائل إسرائيلية بالاستعداد لمعركة فاصلة أو حرب كبرى قد تلجأ إليها إسرائيل باستدراجها لبنان إلى حرب تدميرية عنوانها إنهاء الوجود المسلح على الحدود توازياً مع حرب غزة، خصوصاً وأنها تحظى بدعم أميركي قد تلزم واشنطن على مسايرتها إذا وسعت دائرة حربها.
المعطيات على الارض والانسداد بين الإيرانيين والأميركيين، قد يفتح على احتمالات أخرى، إذ يتبين أن الاشتباك الإيراني- الأميركي لا يزال مفتوحاً، فلا نافذة تواصل، انما تصعيد على الجبهات بما فيها غزة ورفع للشروط في ما يتعلق بالهدنة أو بوقف النار. ولذا يترقب لبنان ما ستؤول إليه التطورات، من دون أن يرفع أحد أولوية إنقاذ لبنان...