المصدر: النهار
الكاتب: علي حمادة
الثلاثاء 2 أيلول 2025 07:28:16
من المفيد النظر إلى الموقف الأهم الذي أدلى به الرئيس نبيه بري يوم الأحد في الكلمة التي ألقاها في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر السنوية.
"زبدة" الكلام أنه يلجأ مرة جديدة إلى طرح مقترح مناقشة مسألة سلاح "حزب الله" ضمن حوار هادئ يفضي إلى استراتيجية أمن وطني. ليست المرة الأولى يطرح رئيس مجلس النواب هذا الاقتراح، فمنذ أن أصبح سلاح الحزب العبء الأبرز في الحياة العامة والخاصة للبنانيين، أي منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في ١٤ شباط ٢٠٠٥، ومسارعة الحزب المذكور إلى تنظيم تظاهرة لشكر سوريا -الأسد في ٨ آذار ٢٠٠٥، بدا واضحا أن الحزب المدجج بالسلاح سيدفع الحياة المشتركة اللبنانية إلى مأزق كبير، وسرعان ما واصل هو وأعوانه في البلد مسلسل الاغتيالات، وصولا إلى اغتيال جبران تويني الذي نجمت عنه أزمة حكم كبيرة بين أكثرية حكومة الرئيس فؤاد السنيورة والثنائي الشيعي مدعوما من رئيس الجمهورية آنذاك إميل لحود. ومع انسحاب وزراء الثنائي الشيعي من الحكومة واستمرارها في موقفها من لجنة التحقيق الدولية الناظرة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، ثم ذهابها إلى مجلس الأمن من أجل إنشاء محكمة خاصة بلبنان لمحاكمة المسؤولين، كان مقترح الرئيس بري بتنظيم طاولة حوار وطني. ومن البداية طُرح بند الإستراتيجية الدفاعية الوطنية مصطلحا بدلا من قضية سلاح "حزب الله"، ولا سيما أن معظم أطراف قوى الرابع عشر من آذار كانت تنادي بحصر السلاح بيد الدولة لاقتناعها بأن هذا السلاح ليس شرعيا. ودامت مسرحية الحوار الوطني حتى عهد الرئيس ميشال سليمان عندما تم الاتفاق على "إعلان بعبدا" الذي يحيّد لبنان عن صراعات المنطقة، فقبله الحزب بداية ثم عاد وتنصل منه. أما موضوع السلاح الذي استخدم في غزوات ٧ و١١ أيار فقد فرض نفسه على الأرض وبمعادلة استخدام القوة لتحصيل مكاسب سياسية، وما عاد مطروحا على بساط البحث، إلى أن ألحقت إسرائيل هزيمة واضحة وحاسمة بـ"حزب الله" في نهاية "حرب الإسناد"، وتجسدت الهزيمة في قبول "الثنائي الشيعي" اتفاقا لـ"وقف الأعمال العدائية" في ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٤. والاتفاق في مقدمته واضح لجهة التشديد على تطبيق القرار ١٧٠١ بكل مندرجاته ومرجعياته القانونية، وفي مقدمها القرار ١٦٨٠، والأهم القرار ١٥٥٩.
علميا، قبل لبنان وفي المقدمة "الثنائي الشيعي" بنزع سلاح "حزب الله" توازيا مع نزع كل سلاح من خارج الشرعية اللبنانية.
في مرحلة ما بعد خروج النظام السوري من لبنان، استخدم الرئيس بري "مخدر" طاولة الحوار لاستنزاف الوقت والجهد وتحويل الأنظار عن المشكلة الأهم، أي السلاح. ونجح إلى حد بعيد حتى ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٤. اليوم تغيرت المعطيات على الأرض، و"طاولة الحوار" التحويرية التي كانت قوى مصنفة سيادية وباستقلالية تهرول نحوها لتستسلم لمعاجلة القوة والسلاح تحت عنوان الحوار الوطني، سقطت نهائيا مع دخول عاملين، الأول أميركي مختلف مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، والثاني مع إسرائيل التي أفلتت من عقالها بعد عملية "طوفان الأقصى". ومحليا، ثنائي الرئيسين جوزف عون ونواف سلام مختلف عمن سبقه في أسلوب العمل والمقاربات. ولذلك نقول إن ورقة "الحوار الوطني" للرئيس نبيه بري سقطت مع انتفاء الحاجة إلى حوار لنزع سلاح غير شرعي ترفضه الأكثرية الساحقة من اللبنانيين.