طبخة "بحص" الدولار المصرفي لم تنضج بعد

حتى الآن لم ينضج أي تفاهم أو صيغة قرار مشترك بين مكونات الدولة حيال سعر الدولار المصرفي بما يؤكد المؤكد أن الدولة عاجزة عن معالجة أكبر معضلة وطنية ترتقي إلى مستوى "المصيبة" القومية، لا بل هي تعاني رهاب الخوف من التجرؤ على إعادة تفعيل دورها ووظيفتها، ويسود سلطة القرار لديها التفكك والشرذمة والعجز عن توحيد قراراتها، أو التنسيق في ما بين مكوناتها، لمنح اللبنانيين بعضاً من أمل ممكن في استعادة حق مكتسب يستجدونه يومياً بالصلاة والتمنّي.

خدم تسعير ما اصطُلح على تسميته "اللولار"، عسكريته، وباتت عودته إلى السعر الحقيقي المطابق لسعر السوق ضرورة ملحّة إنسانية وأخلاقية، تلتقي مع ضرورة خروج المعنيين بقرارات تعيد بعض الثقة للقطاع المصرفي المفلس منها، والذي يعوزه برأي مصادر متابعة "الكثير من العناية الفائقة لإعادته إلى وظيفته الطبيعية التي فقدها بإسرافه في تسليف الدولة ومصرف لبنان".

حاول كثيرون تسويق مشاريع أسعار جديدة لـ"اللولار" وأشيع عن رفعه من 15 ألف ليرة إلى 25 أو 30 ألف ليرة، فيما المطلوب برأي المصادر عينها "عدم الإنصات إلى أصحاب المصالح الخاصة والآنية، ورفع سعر صرفه ليتماهى ويتساوى مع سعر السوق الحقيقي، والتزام سعر الصرف المعتمد على منصات وفي حسابات مصرف لبنان، والسماح للمودعين بسحب "لولاراتهم" من المصارف على السعر الحقيقي لها، بضوابط سقف سحب محدّد، ولا ضير بداية أن يكون منخفض الحجم إلى حدود دنيا. تبقى ضرورة أن يترافق ذلك مع قرار يسمح للمودع بسحب مبالغ إضافية بالليرة اللبنانية خارج سقف السحب المحدّد إذا شاء، على سعر يتوافق عليه مع مصرفه، على أن يقع هذا السعر ضمن هوامش محددة مسبقاً سقوفها الدنيا والعليا من الدولة".

وفي الانتظار، يؤكد الوزير السابق نقولا نحاس لـ"النهار" أن الحل النهائي لم ينضج بعد، فيما وزارة المال لم ترسل حتى اليوم أي عرض بناءً على دراسة لتقييم حجم الكتلة النقدية ومدى قدرتها على استيعاب السعر الجديد للدولار المصرفي"، مؤكداً أن "المعنيين في مصرف لبنان ووزارة المال يتهيبون القرار خوفاً من تحمّل مسؤولية أي دعسة ناقصة".

أما وقد انقضى الموعد الذي حدده رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لرفع سعر الدولار المصرفي والذي كان مقررا في نهاية أيار الماضي، أكد نحاس العمل على انضاجه على ابعد تقدير قبل جلسة مجلس الوزراء المقبلة ليصدر القرار بالاجماع في مخرج يكفل عدم رمي الكرة عند وزير المال يوسف الخليل منفردا.

يأتي هذا الحلّ في وقت يصرّ فيه حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري على عدم تحديد أي سعر صرف جديد مغاير لسعر الصرف الذي حدّده والبالغ 89.500 ألف ليرة لكل دولار والساري في ميزانيته وميزانيات القطاع المالي.

ورجحت المعلومات اعتماد سعر 25 ألف ليرة للدولار الواحد بدلاً من 15 ألف ليرة الذي تعتمده المصارف منفردة من دون أي سند قانوني بعد انتهاء مفعول التعميم رقم 151 منذ أول السنة الجارية، فيما أكد نحاس أن ثمة سيناريوهات عدة لسعر الدولار المصرفي، ولكن حتى الآن لا يزال موضع درس من نواحٍ عدة وخصوصاً حيال الكتلة النقدية وتأثيره على سعر الصرف.

مصادر مصرف لبنان أكدت أن إقرار "المركزي" لسعر الدولار المصرفي بـ15 ألف ليرة، يعني أنه يجري "هيركات" الذي أصلاً يحتاج الى قانون، أما إعطاء مبلغ محدّد على سعر الـ89,500 ليرة، فإن ذلك يعني "كابيتال كونترول" وهو أيضاً يحتاج الى قانون، فيما مصرف لبنان أجرى توحيداً لسعر الصرف ومن أراد أن يحدّد دولاراً مصرفياً مغايراً، فليذهب الى مجلس الوزراء أو مجلس النواب.

من الناحية القانونية يرى المحامي الدكتور باسكال فؤاد ضاهر أن "المادة 229 من قانون النقد والتسليف التي تستند إليها السلطة، قد مر عليها الزمن. فقانون النقد صدر في عام 1964 إي إبان اتفاقية "بريتن وودز" التي كانت تحدد أسعار العملات بوزن ثابت من الذهب. لذا نصّت المادة على وجوب صدور قانون يحدّد سعر الصرف على اعتبار أن النظام حينها كان جامداً وغير متحرك. ونصّت المادة على أنه يعود لوزير المال أن يحدد سعر صرف انتقالياً الى حين صدور القانون يربط سعر الصرف بالذهب، وفي حينه صدر سعر الصرف الانتقالي عن وزير المال الذي كان لمرة واحدة وانقضى.

ولكن منذ عام 1970 انتهت دولياً مرحلة سعر الصرف الثابت والجامد، وانتقلت المهمة من تحديد سعر صرف جامد للعملات الى بيانه وفق سعر الإقفال اليومي لسوق العملات.

أما في لبنان، فقد أوجد المشرّع سوق صرف شرعية سمّاها الردهة وربطها ببورصة بيروت ومنذ ذلك الحين أصبح النظام أكثر ليبرالية، فيما كان آخر قانون قد نظمها هو المرسوم الاشتراعي الرقم 120 لعام 1983. وكان مصرف لبنان يتدخل بهذه السوق سنداً لأحكام المادة 75 معطوفة على المادة 69 من قانون النقد.

ومن هذا المنطلق فإن المسعى الذي تقوم به السلطة اليوم والرامي الى تحديد سعر صرف للودائع، هو غير قانوني للآتي:

- مناقضته الدستور وقانون النقد والتسليف الذي نص على أن المودع يجب أن يسترد وديعته من المصرف، كما لو كانت في صندوقه الخاص as good as cash.

- سعر الصرف يجب أن يكون واحداً، على نحو لا يؤثر على الالتزام بتسديد الودائع من المصارف بعملة العقد.

- يضرب الثقة الائتمانية للبلاد، بما سيؤدي الى خسارة لبنان مركزه المالي والمصرفي.

- لا يجوز تحقيق أرباح غير مشروعة تقع تحت طائلة قانون العقوبات.