وفد الصندوق يعود إلى لبنان خلال أسابيع وهذا ما سيبحثه

مِن أحد أهم العقبات التقنية التي تعترض خطّة التعافي التابعة لحكومة الرئيس ميقاتي، توحيد سعر الصرف. فتوحيد سعر الصرف هذا يجب أن يتمّ على سعر صرف ناتج عن منطق إقتصادي أو آلية (حتى ولو كانت إصطناعية موقّتة) تجعل العرض والطلب يُحدّدان سعر الصرف الذي سيُعتمد في كل التعاملات الإقتصادية والمالية والنقدية. وهنا المُشكلة: ما هو المنطق الإقتصادي الذي سيُعتمد أو ما هي الآلية الإصطناعية المؤقّتة التي يُمكن إعتمادها للوصول إلى التوازن بين العرض والطلب؟

قبل الجواب على هذا السؤال يجب التذكير بعدد من النقاط التي تعتبر أنها جوهرية ولها كلمتها في تحديد الخيارات:

 

أولًا – أحد أهم شروط الصندوق والتي لن يقبل بالتفاوض عليها هو تحرير سعر صرف الليرة مقابل الدولار وهو ما يعني توقّف المصرف المركزي عن ضخ دولارات في السوق لتغطية الطلب.

 

ثانيًا – الإقتصاد اللبناني يستهلك دولارات بشكلٍ كبير مقارنة بما يُنتجه (إستيراد مقابل تصدير). وهذا الأمر يجعل الإقتصاد اللبناني بحاجة إلى 6 مليار دولار أميركي سنويًا (بأقل تقدير) بفرضية أن يتم فرض إعادة دولارات التصدير إلى القطاع المصرفي اللبناني.

 

ثالثًا – المالية العامة تستهلك دولارات من دون أن تُنتجها. فالكهرباء وأجور الديبلوماسيين وإيجارات السفارات والقنصليات في الخارج، والإنفاق الجاري العام المُستورد، ومُستحقات الدين بالعملة الصعبة... تحتاج إلى دولارات لا يُمكن للدولة في الوقت الحالي تأمينها. وهذه الحاجة تُقدّر بعدّة مليارات سنويًا!

 

رابعًا – لم يعد لمصرف لبنان القدرة على تأمين الدولارات كما كان يفعل سابقًا نظرًا إلى توقّف تدفق الدولارات إلى الداخل اللبناني بحكم تخلّف الدولة عن دفع مُستحقاتها والذي ينعكس تلقائيًا على المصرف المركزي ومعه المصارف.

 

خامسًا – لا إمكانية لتأمين الدولارات التي يحتاجها لبنان من مصادر داخلية. هذا الأمر يعني أن الإحتمالات المُمكنة هي من صندوق النقد الدولي، أو من المغتربين اللبنانيين، أو من دول قد تُقرّر تخطّي صندوق النقد الدولي ومُساعدة لبنان مباشرة، أو من خلال إستثمارات مباشرة من مُستثمرين لبنانيين في الخارج أو أجانب. إلا أن كل هذه الإحتمالات تبقى ضئيلة نظرًا إلى غياب توافق مع صندوق النقد الدولي (وبالتالي الإصلاحات).

 

مما تقدّم نرى أن لبنان بحاجة إلى كمية من الدولارات تتخطّى ما سيؤمّنه صندوق النقد الدولية (4 مليار دولار على فترة ثلاث سنوات)! إذًا كيف يُمكن تأمين النقص بالدولارات؟ الجواب هو من باب سعر الصرف. فالدولارات تُستخدم بالدرجة الأولى في الإستيراد وفي إستهلاك الدولة، وهو ما يعني أن رفع سعر الدولار كفيل بخفض هذا الإستهلاك ولجم شهية المالية العامة لهذه الدولارات.

 

من هذا الباب يُتوقّع أن يقوم صندوق النقد الدولي بالطلب من الحكومة اللبنانية والمصرف المركزي ترك سعر الصرف لمنطق السوق (أي العرض والطلب) من دون أي تدخل من قبل المصرف المركزي. وهو ما يعني وقف العمل بالتعاميم الصرفية المعنية بسعر الصرف، والذي يُعتبر المانع الوحيد أمام إرتفاع سعر الدولار إلى مستويات أعلى مما هي عليه. وبفرضية أن الحكومة اللبنانية لبّت طلب الصندوق، فإن سعر صرف الدولار قد يشهد قفزة ملحوظة ليتراوح بين 40 و50 ألف ليرة للدولار الواحد (في المرحلة الأولى!). هذا الأمر سيواجه حكمًا برفض من قبل القوى السياسية (خصوصًا قبل الإنتخابات النيابية المُقبلة)، لكنه قد يعود إلى الواجهة بعد الإنتخابات وبعد أن تضّمن القوى السياسية مقاعدها في المجلس النيابي.

المُشكلة التي ترافق الطلب (المُحتمل) من قبل صندوق النقد الدولي هي أن هذا الأخير نسي أو تناسى أن الحدود اللبنانية مفتوحة على التهريب (in/out)، وهو ما يعني أن الدولار سيُصبح من دون سقف مع ما لذلك من تداعيات كارثية على الواقع المعيشي للمواطن اللبناني الذي يُعاني حاليًا الأمرّين!

 

من ناحية أخرى، من المتوقّع أن يعود وفد صندوق النقد الدولي إلى لبنان في الأسابيع القادمة في عملية تقييم لبعض المتغيّرات الإقتصادية والتي تعُتبر ضرورية في عين الصندوق بغض النظر عن التطور في شروط الصندوق وخطة التعافي. هذه الزيارة سيكون موضوعها تقنيا بحتا حيث سيتم دراسة عدد من المؤشرات وتطورها والتي تعتبر حاسمة على صعيد الجواب التقني للأزمة والذي سينعكس حكمًا على محتوى الدعم الصندوق للبنان.

على صعيد أخر، غياب الإجراءات التصحيحية من قبل الحكومة اللبنانية ومن خلفها المجلس النيابي، يزيد بشكل يومي من الخسائر على المواطن اللبناني الذي أثبتت التجارب أنه الخاسر الأكبر. وبالتالي نرى أن التداعيات الإجتماعية ستزداد سوءًا في المرحلة المُقبلة مع فقدان إضافي في القدرة الشرائية والتي لن تُجديها نفعًا الخطابات الإنتخابية الرنّانة نظرًا إلى فظاعة الإصلاحات المطلوبة حصريًا من المواطنين والمودعين والمصارف، من دون أن يكون هناك أي مسؤولية للدولة اللبنانية.

 

هذا الأمر يدفعنا إلى القول أن نسبة الفقر سترتفع بشكل ملحوظ وهو ما يُبرر (لربّما) إنشاء صندوق فرنسي – سعودي مع أهداف إنسانية بحتة تهدف إلى دعم المواطن في بعض القطاعات الإجتماعية مثل الصحة والأكل والمياه والكهرباء والنقل وغيرها من الخدمات الإنسانية البحت. ونتوقّع أن ترتفع نسبة توزيع الإعانات الغذائية من قبل بعض الجمعيات الخيرية بما يعني المزيد من الذل للمواطن الذي كان يعيش على مستوى المجتمعات الأوروبية قبل نشوب الأزمة في أواخر العام 2019.