طرابلس متحف حَيّ يتحدّى التهميش: عنا الحلا كلّو

لو قُيّض لعاصمة الشمال طرابلس أن تحظى برعاية رسمية لكانت واحدة من أهم المدن السياحية في الشرق الأوسط.

هذه المدينة هي الأولى على الساحل الشرقي للبحر المتوسط بثروتها التاريخية، وهي الثانية في عدد آثارها المملوكية بعد مدينة القاهرة.

لكن تاريخ طرابلس الحديث حافل أيضاً بجولات حربية ومعارك متقطعة مترافق مع إهمال متواصل من قبل السلطات اللبنانية أعاق مسيرة نهضتها ورسّخ صورة نمطية عنها توازي بين الفقر والتطرف حتى استحقت لقب «أم الفقير».

المتحف الحي

تتفوق «الفيحاء» على كل مدن لبنان بغناها التاريخي. وبحسب بلدية طرابلس يتجاوز عدد الآثار فيها 160 مَعلماً تتوزع بين قلاع عسكرية ومساجد ومدارس وأسواق وحمامات وغيرها. جميعها في غاية الاهمية، وتعود إلى حقب تاريخية قديمة تتخطى 1100 عام، جعلت من المدينة مجمعاً للآثار الرومانية والبيزنطية، والفاطمية، والعثمانية، والصليبية. وميزة هذه الأسواق الأهم في الشرق الأوسط أنها مأهولة بالسكان؛ ما جعل البعض يطلق على هذه الأحياء العتيقة اسم «المتحف الحي».

«عنا الحلا كلّو»

وبمبادرة فردية تحدّت طرابلس اهمال الدولة لها واستلحقت نفسها بموسم «أهلا بهالطلة» الذي أطلقته وزارة السياحة بداية موسم الصيف في كل لبنان، وسجل نجاحات باهرة في مدن بعينها مثل جبيل والبترون وجبل لبنان، في حين ظلت طرابلس بمنأى عن مواسم العز حتى بادر بعض أبنائها وناشطون مهتمون بالمدينة لاطلاق حملة «أهلا بهالطلة في طرابلس» و«عنا الحلى كلو» لتشجيع اللبنانيين من مقيمين ومغتربين، إضافة الى الأجانب على زيارة عاصمة الشمال والتعرف على معالمها التاريخية وآثارها والتمتع بمأكولاتها وحلوياتها الشهية.

بعد خبرة طويلة في مجال السياحة والسفر وتنظيم الرحلات خارج لبنان، أراد مصطفى الصمد صاحب شركة الصمد للاستثمار السياحي وضع خبرته هذه المرة في خدمة مدينته طرابلس وأهلها، لتكون طرابلس على خريطة المناطق السياحية أسوة ببقية المناطق التي شهدت صيفاً عامراً.

ولمدة شهر، سيقدم الصمد لزائري طرابلس، من لبنانيين مقيمين، ومغتربين، أو سياح آتين من الخارج والراغبين في التعرف إلى آثارها وأهم معالمها، جولات سياحية تؤمَّن فيها النقليات ويرافقهم المرشد السياحي بالمجان. وإضافة الى سهولة التنقل سيحصل الوافدون على شروحات كاملة حول تاريخ هذه المعالم والحقبات التي تعود إليها. ويمكن للزائر أن يستمتع بجولة في الأسواق والمطاعم والجزر ويتمتع بمأكولات شعبية، وحلويات بديعة بأسعار رخيصة.

«أهلا بهالطلّة»

استهلت حملة «أهلا بهالطلة» أول الأسبوع بزيارة لصحافيين وإعلاميين لبنانيين من مختلف الوسائل الاعلامية الى طرابلس بدعوة من شركة الصمد للاستثمار السياحي، حيث قضوا يوماً كاملًا في أرجاء المدينة تخلله جولات على المعالم الأثرية وفي الأسواق التاريخية.

ويرافق هذا الشهر السياحي في عاصمة الشمال برنامج ثقافي يتخلله عدد من ندوات ومعارض فنية وأمسيات لكورال الفيحاء.

ويمكن للزائرين الاستمتاع بالرياضات البحرية على محمية جزر النخل الذي تنظمه لجنة المحمية بالتعاون مع بلديتي طرابلس والميناء وبرعاية وزارتَي السياحة والبيئة، ويتضمن كل الأنشطة والمسابقات البحرية.

تتحدى طرابلس بإمكانات ضئيلة وإنما بعزم تهميشها. فالعاصمة الثانية بعد بيروت أو الفيحاء كما يقلبونها نسبة لرائحة زهر الليمون التي تفوح منها، ومدينة العلم والعلماء تستحق الرعاية والاهتمام اللذين يعيدانها الى خريطة المواقع السياحية للبنانيين قبل الأجانب.

أهم المواقع التاريخية

القلعة الصليبية احدى أضخم وأقدم القلاع التاريخية في لبنان، تتربع على رأس رابية تُشرف على كلّ أنحاء مدينة طرابلس وتطل على نهر قاديشا.

وتضم مجموعة الأسواق المتنوعة سوق النحاسين الذي يعود الى عهد المماليك ويجمع بين الفن والصناعة، وسوق الصاغة الذي تمّ بناؤه منذ اكثر من 800 سنة على يد تاجر صاغة روماني، وكذلك سوق البازركان المتخصص في صناعة الاقمشة.

في الأسواق حمامات وخانات ومقاهٍ قديمة ومساجد وكنائس، ومدارس تاريخية. وتستخدم الخانات لتخزين البضائع، اضافة الى وظيفتها كموقع للبيع والشراء، واشهرها خان الصابون مقصد السياح لقيمته التاريخية. وخان العسكر الذي يعتبر من أكبر خانات لبنان، وخان الخياطين الذي حافظ على طابعه وعمله منذ العصر المملوكي إلى اليوم.

ويبرز برج الساعة، بين اشهر المعالم التاريخية، لموقعه في الساحة الرئيسية من المدينة، ويعود تاريخ انشائه الى 1901 وهي آخر ما تركه العثمانيون في المدينة، وواحدة من ساعات عدة أمر السلطان عبدالحميد الثاني بإنشائها في مراكز الولايات العثمانية.

برج السباع

وحسب الدكتور خالد تدمري واصلت الساعة العمل منذ بداية تشييدها فشهدت دقائقها الحربين العالمية الأولى والثانية، ولم تتوقف عن العمل حتى اشتعال الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت زهاء 15 عامًا، حيث سقطت عقاربها وأرقامها الواحدة تلو الأخرى تحت لهو أعيرة القناصة. ثم عادت الساعة للعمل في 2016.

وبجوار مرفأ طرابلس يقع برج السباع، واحد من أجمل المباني الحربية الإسلامية، يعود بناؤه إلى نهاية القرن الخامس عشر. اضافة الى محطة القطارات التي تحوي قاطرات قديمة تعود إلى أكثر من مئة سنة، والتكية المولوية الرابضة على ضفة نهـر أبي علي تحت القلعة، والتي أُعيد ترميمها، حديثاً، كشاهد على التاريخ الصوفي لجزء من أهل المدينة.

جبل الأربعين في الضنية.. مغامرة فريدة

من طرابلس إلى الضنية، تلك المدينة المحرومة في قضاء عكار شمالي لبنان، تتخذ السياحة بعدا مغامراً وبمبادرات فردية أيضاً.

هذه المنطقة الساحرة بطبيعتها تشكل امتدادًا لجبل المكمل، وتتميز بالقرنة السوداء فيها، وهي أعلى قمة في الشرق الأوسط، إضافة الى غناها بالموارد الطبيعية والمياه والتنوع البيولوجي، حيث تنتشر غابات كبيرة من الأرز واللزاب والصنوبر والسنديان.

على بعد ساعة قيادة من طرابلس، تتواجد قمة جبل الأربعين، على ارتفاع 2000 متر فوق مستوى سطح البحر، ويقبع على قمة الجبل عدد من المرافق المميزة، منها أعلى ارجوحة في الشرق الأوسط، والتي تعطي تجربة مشوقة لزوارها، إضافة الى منصة مراقبة حديدية مفتوحة في الهواء الطلق، تكشف المنطقة المحيطة.

تجذب هذه المنطقة هواة الطبيعة والهاربين من اماكن السياحة التقليدية، فإلى المناظر الخلابة يمكن السير على المسار الحديدي ورؤية أجمل غروب شمس فوق الغيوم! ومن أعالي جبل الأربعين يمخر الزائر الضباب ليعيش تجربة فريدة لا تتوافر في أي مكان.

تمتلك الضنية مواصفات السياحة البيئية من أعلى قمم لبنان في القرنة السوداء الى أعمق وادٍ في لبنان «وادي جهنم» الذي يربط الضنية وعكار، إلى جانب غابات الأرز. كما تضم أكبر غابة صنوبر بري في الشرق الأوسط بمساحة 3 ملايين متر مربع تتشاركها السفيرة، طاران وبطرماز، إضافة إلى مغارة الزحلان.