المصدر: المدن
الكاتب: نغم ربيع
الثلاثاء 18 حزيران 2024 11:53:30
يعيش صبحي عبد الله، ابن بلدة حولا الجنوبية القريبة من الحدود اللبنانية، حالة من الضياع والعجز. إذ فقد صبحي، العامل في الحدادة الافرنجية، محلاته ومصدر رزقه، إضافة إلى بيته. يعبر بحزن عميق عن مشاعره قائلاً: "الوضع مزرٍ، وأنا محطم. كان لدي مصلحة، وفي ليلة واحدة خسرت كل شيء - بيتي ومحلاتي وذكرياتي". ويضيف بحرقة: "لا يهمني البيت بقدر ما يهمني المحل. عمره أكثر من 100 سنة، مبني بحجر قديم، وورثته عن أبي. خسرته!"
أصبح صبحي عاطلاً عن العمل ويفتش عن بديل قريب من مسكنه الحالي في النبطية، لكنه يواجه صعوبة في ذلك، بسبب صعوبة السوق في مهنة الحدادة. يقول صبحي: "سوق العمل غير سهل عندما تكون خارج منطقتك، فلكل عامل زبائنه".
يضيف: "أولادي يتعلمون بالخارج وهم بحاجتي. نزحت من حولا حاملاً معي 13 ألف دولار، والآن أعيش بالدين!" ويواصل قائلاً: "رفضت المساعدات من الجهات المعنية بالحرب قائلاً لهم: أنا مش تبع الـ200$".
90 ألفاً و500 نازح
ليس جديداً أن ينزح الجنوبيون، ولا سيما أبناء ما يُعرف بالشريط الحدودي، عن بلداتهم وقراهم. فقد عرفوا موجات نزوح منذ السبعينيات. إلا أن موجة النزوح الحالية تختلف بسبب التغيّرات الكبيرة في الظروف الاقتصادية، فضلاً عن عدم وجود أفق لوقف الحرب.
وبينما استهدف القصف الإسرائيلي بشكل رئيسي 45 بلدة جنوبية، إلا أن بعض البلدات كانت الأكثر تضرراً. من بين هذه البلدات، تبرز عيتا الشعب، بليدا، كفركلا، العديسة، الخيام، الجبين، طيرحرفا، بيت ليف، ميس الجبل، الضهيرة، ومروحين. كما سُجّل تدمير شوارع كاملة في بلدة عيترون.
وحسب محمد شمس الدين، الباحث في "الدولية للمعلومات"، بلغ عدد المنازل المدمرة بالكامل في الجنوب حوالى 2000 منزل، وسُجل حتى الآن نزوح 90 ألفاً و500 مواطن جنوبي. ويتوزع النازحون حالياً بشكل أساسي على أقضية صور، والنبطية، وصيدا.
المحصول الزراعي
في هذه الأشهر من السنة يبدأ المزارعون من حصد ما زرعوا، وكون الوضع في الجنوب متأزم، لم يتمكن المزارعون من قطف محاصيلهم. فالحرب أتت على هذا القطاع أيضاً.
في هذا السياق يشير شمس الدين "تحديد الخسائر بشكل دقيق لا يزال غير ممكن نتيجة استمرار الحرب"، مشيراً إلى أنه "خسر المزارعون في الجنوب موسم الزيتون ومواسم زراعية عدة، وصلت الخسارة إلى موسم التبغ، الذي يعد من المواسم الأساسية بالنسبة إلى مزارعي الجنوب ويقدر بنحو 50 مليون دولار سنوياً".
في الإطار نفسه، يوضح حسن عبد الله، أحد مزارعي التبغ في بلدة عيترون الملاصقة للحدود، قائلاً: "تهجرنا مع بداية الحرب، وخسرنا الموسم، أي لم نستطع جني المحصول هذا العام!". ويضيف بغصة: "نأمل أن تقوم الدولة بأي مبادرة لدعمنا، لأن هذا مصدر رزقنا الأساسي ونعتمد عليه بشكل كامل".
في المقلب الآخر، ضاع موسم الكرز في كفرشوبا المواجهة للحدود. ولم يغزُ كرزها الأسواق اللبنانية هذا العام. يقدر إنتاج كفرشوبا من الكرز بحدود 800 ألف كيلو أي ما يقرب من 200 ألف دولار سنوياً.
سنوات تعليمية ضائعة!
منذ الثامن من تشرين الأول 2023، أغلقت المدارس في المناطق الجنوبية أبوابها أمام الطلاب على أمل إعادة فتحها بعد بضعة أيام. ومع ذلك، بقيت الأبواب مقفلة لأشهر وما زالت حتى الآن. انتهى العام الدراسي لهذا العام من دون أن تُفتح المدارس الجنوبية، ومن دون أن يتمكن التلاميذ من متابعة تعليمهم.
تقول زهراء، البالغة من العمر 17 عاماً، وهي من ميس الجبل: "أنا في سنتي الدراسية الأخيرة وكان من المفترض أن أخوض امتحاناتي الرسمية هذا العام وأدخل الجامعة. لكننا لم نداوم سوى شهر واحد كحد أقصى في المدرسة، ثم تهجرنا من بلدتنا."
تضيف زهراء: "أحاول جاهدة أن أدرس في البيت ومع أصدقائي أونلاين لنتمكن من تقديم الامتحانات بعد أيام قليلة. لقد عشت أجواء صعبة جداً في بداية الحرب، وكل الأخبار المحيطة لا تسمح لي بممارسة حياتي ودراستي بشكل طبيعي. لكنني أحاول أن أكون مستعدة لكي لا أخسر سنة من عمري".
من جهة أخرى، تعبر مايا عبد الله، ابنة بلدة عيترون وطالبة في الجامعة اللبنانية في النبطية، قائلة: "الجامعة مفتوحة، ولكن نتيجة نزوحنا من الجنوب إلى الرميلة، لم أتمكن من أن أداوم مع زملائي. لم أتسجل في كلية قريبة مني لأننا كنا نعتقد أن الأمر مسألة أيام وستعود الحياة لطبيعتها، وسأتمكن من العودة إلى جامعتي وزملائي. ولكن الآمال لم تتحقق وفقدت سنة تعليمية. أفكر الآن ماذا يجب أن أفعل لكي لا أخسر سنة أخرى".
لم يسلم أحد في لبنان من المآسي، فقد طالت الطلاب والكبار والعاملين والمزارعين. يعد النزوح في هذه الفترة الأكثر قساوة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها لبنان منذ أكثر من أربع سنوات. أموال فقدت في المصارف، والوضع المعيشي سيء، والآن نواجه حرباً.
نضم آمالنا لآمال الطلاب وأهالي الجنوب أن يكون كل ما نعيشه في لبنان هو لبضعة أيام فقط، وأن تعود الحياة إلى ما كانت عليه قبل الأزمة الاقتصادية والأمنية.