عبثية الصراع العثماني- الفارسي على بلاد الرافدين

عود على بدء، يندرج الصراع المرتقب بين إيران وتركيا في العراق تحت عناوين عدة أبرزها "توازن القوى" والطموحات الرامية لتحقيق نفوذ أكبر في المنطقة، ناهيك عن "الماراتون الاقتصادي المتعاظم".

إذ عادت حال القلق لتسيطر على إيران مع توجّه تركيا لاستخدام ورقة مطاردة حزب العمال الكردستاني بهدف إقامة وجود عسكري طويل الأمد في منطقة سنجار العراقية، التي تقع في غرب محافظة نينوى شمال العراق على جبل سنجار، ما يعيدنا بالذاكرة لما فعلته تركيا في السابق في شمال سوريا ومحافظة دهوك العراقية. وهذا ما يفسّر الريبة القائمة على العمق الإستراتيجي لإيران.

وفي سيناريو محتمل، قد تؤدي حملة تركية في سنجار إلى صدام بين تركيا وجماعات الحشد الشعبي العراقي المدعومة من إيران، وهنا لا يُتوقع أن تقف إيران على الحياد، فاسحةً في المجال أما مضي تركيا قدمًا نحو تحقيق أهدافها المتعددة.

لكن إزاء ذلك كله، قد يكون من المستبعد أن تقدم تركيا على مواجهة مع إيران على أرض العراق، إلا أن ذلك لا يلغي تطلعاتها نحو تعزيز نفوذها الإستراتيجي تجاه جوارها الجنوبي على المديين المتوسط والطويل.

علمًا أن المنافسة الحالية القائمة تشي بإمكانية حدوث صدام قد لا تحمد عقباه، كما أن احدًا لا يريده. نظرًا لما تنطوي عليه المقاربات الصارمة، إذا جاز التعبير، التي تحملانها كل من تركيا وإيران إزاء مناطق نفوذهما الفعلية منها والمحتملة. ما يشير إلى سهولة التصعيد، في حال ارتفع سقف التحدي لمصالح أحد الطرفين.

والجدير ذكره هنا، أن مواجهة طفت على الواجهة في شهر شباط/فبراير من العام 2020، في محافظة إدلب التي تقع على البوابة الشمالية لسوريا، والتي تطل منها على تركيا وأوروبا، على إثر انتشار الميليشيات المدعومة من إيران، للمشاركة في القتال ضد المتمرّدين المدعومين من تركيا.

مما لا شك فيه أن النهم الاقتصادي يلعب دورًا رئيسًا في تأجيج الصراع، حيث تعتبر تركيا المنافس الاقتصادي الرئيسي لإيران في السوق العراقية.

ففي عام 2019، صدّرت تركيا ما قيمته 10.2 مليار دولار من البضائع إلى العراق، متجاوزة بشكل طفيف صادرات إيران البالغة 9.6 مليار دولار خلال الفترة نفسها.

كما استثمرت الشركات التركية حوالي 25 مليار دولار في 900 مشروع إنشائي وبنية تحتية، بما في ذلك الطاقة والمياه والصناعات البتروكيماوية، في مدن عراقية مختلفة.

ولعل المنافسة تتصاعد بين طهران وأنقرة، اليوم، في إنتاج الكهرباء في العراق، والتي كانت تهيمن عليها الشركات الإيرانية في السابق.

إلى جانب ذلك، تعتبر تركيا موقعها الجغرافي عند مفترق طرق أوروبا الشرقية وغرب آسيا ميزة جغرافية اقتصادية فريدة، وتسعى بشكل متزايد إلى احتكار طرق العبور في المناطق المجاورة.

وعلى الرغم من أن القوتين الإقليميتين غير العربيتين حاولتا تاريخيًا تحديد مصالحهما ومناطق نفوذهما في العالم العربي بطريقة تتجنب الاحتكاك والتنافس المباشر، لكن في أعقاب تصاعد المشاعر المعادية لإيران في العراق واغتيال الجنرال قاسم سليماني، ربما يكون القادة الأتراك قد خلصوا إلى أن الوقت قد حان لدحر النفوذ الإيراني في العراق، واستعادة ما يعتبرونه دورًا تاريخيًا لتركيا في هذا البلد.

في الآونة الأخيرة، بات لدى القادة الإيرانيين انطباع بأن نفوذهم في العراق آخذ في الانحسار، وأن الجو المعادي لإيران يسيطر على الدولة.

في أيار/مايو 2020، تم استبدال رئيس الوزراء المدعوم من إيران، عادل عبد المهدي، بمصطفى الكاظمي، وهو أكثر استقلالية ويحاول الحفاظ على علاقة متوازنة مع إيران وجيران العراق الآخرين، بما في ذلك السعودية، ودول شبه الجزيرة العربية وتركيا.

وقبل أسابيع، تبلور الصراع بين الطرفين إلى حدّ التراشق الكلامي تحت إطار الديبلوماسية ما استدعى ردًّا من قبل رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، باحترام سيادة بلاده، وعدم التدخل في شؤونه، في إشارة واضحة إلى التراشق الإعلامي بين السفيرين الإيراني والتركي لدى بغداد.

في الختام، تبقى مؤشرات الصراع قائمة بانتظار ما ستؤول إليه الأيام القليلة القادمة من إرهاصات قد تشي باحتمال تصعيد مرتقب، علمًا أن الطرفين يكابدان الوقت للملمة أخطاء الماضي وبانتظار ما ستتمخّض عنه سياسات أميركا المرسومة للمنطقة.