عبد الساتر: للابتعاد عن منطق الغالب والمغلوب والفساد من أجل بناء دولة تحمي الإنسان وحقوقه

احتفل راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس عبد الساتر بقداس عيد الميلاد في كاتدرائية مار جرجس- بيروت، عاونه فيه الخوري جورج قليعاني، بمشاركة المونسنيور نعمة الله شمعون، بحضور رئيس وأعضاء المجلس الماروني وحشد من المؤمنين.

 

وبعد الإنجيل المقدس، ألقى المطران عبد الساتر عظة جاء فيها: "لما ظنوا أن الله تخلى عنهم بسبب معاصيهم وتركهم ليموتوا على يد المحتلين الوثنيين، ظهر لطفه ومحبته للناس، فخلصنا لا على أساس أعمال بر عملناها، وإنما بموجب رحمته (راجع تيطس ٣: ٤ - ٥). أرسل ابنه، وحيده الذي تجسد آخذا صورة العبد، وحمل أسقام وآثام البشرية جمعاء، وأعطى حياته على الصليب لتكون لنا الحياة جميعا بوفرة. إلهنا يعرف معاصينا وآثامنا، وهي حاضرة أمامه، وهي تجرح حبه. ولكنه، وعلى الرغم من ذلك يختار أن يبقى أمينا لوعده لنا بالخلاص، ويختار أن يسامح معاصينا ويغسل آثامنا ويهبنا الحياة منذ الآن في قلبه. فلنتذكر في صباح هذا العيد، محبة الله الكبرى لنا والخلاص الذي حققه للكون أجمع بابنه يسوع".

 

أضاف: " لما ظنوا أن الله بعيد عنهم، يسكن في السماوات ولا يبالي بما يعانون، كانت البشارة بعمانوئيل "الله معنا". ولد الله الابن في مذود بين صغار هذا العالم وعاش بين الخطأة ورافقه صيادو السمك حتى لا يفصل شيء الإنسان عن محبة الله له في المسيح (روم ٨: ٣٩). وإذا كان الله معنا فمن علينا؟ (راجع روم ٨: ٣١) ولماذا نقلق ولماذا نخاف مما سنعيشه في حياتنا من إضطهاد أو سيف أو جوع أو مرض؟ هل نسينا أننا نغلب كل شيء بالذي سبق واختارنا وأحبنا من قبل إنشاء العالم؟ فلنتذكر، في صباح عيد الميلاد هذا، أن الله معنا كل حين وعينه تشاهدنا ليحمينا من الموت، الموت الأبدي".

 

وتابع: "لما اعتقدوا أن الله لا يرضى عنهم إلا بذبائح العجول المسمنة ولا يستسيغ  إلا روائح المحرقات، ولما اعتقدوا أنهم يستطيعون تأمين رضى الله بالنذور والهدايا الثمينة للهيكل وبالصلوات الطويلة، تجسد الابن الحمل وقدم ذاته قربان محبة وصالح الخليقة كلها مع الله. سمعوه يقول: "إني أريد رحمة لا ذبيحة، ومعرفة الله أكثر من المحرقات" (هو ٦: ٦) (مت ١٢: ٧). سمعوه يتكلم على خراب الهيكل لأنه لم يعد بيت الله بل صار مغارة لصوص (راجع مت ٢١: ١٣) أو نصبا يخلد ذكرى من بناه. سمعوه يوبخ الذين يطولون الصلاة لغاية في نفسهم (راجع لو ٢٠: ٤٧) ولا يعتنون بقريبهم المجروح المتروك على قارعة الطريق (راجع لو ١٠: ٢٥ - ٣٧). فلنتذكر في صباح عيد الميلاد هذا أن مشيئة الله هي أن نؤمن بمن أرسله ونعمل مشيئته. ومشيئته هي أن نحب بعضنا بعضا كما هو أحبنا. فلنتذكر أن بناء المعابد وتقديم العطايا الكبيرة وتطويل الصلوات ليست بشيء إذا لم تكن محبة الله أساسها وإذا لم تكن مقرونة بخدمة الإنسان المجروح والمتروك على الطريق".

 

وأردف عبد الساتر: "إنه عيد الميلاد، فلنفرح به لأن خلاصنا تحقق ومات الموت فينا، إنه عيد الميلاد، فلنترج ولنلق عنا الخوف والقلق لأن الله معنا وهو إله رحوم وكثير الرحمة. إنه عيد الميلاد ، فلننزع الإنقسامات والأحقاد من بيننا ولنكرم المريض والضعيف والمعوز من بيننا لأننا جسد واحد ولنا رأس واحد هو الرب يسوع. وأمام طفل المغارة:  أنادي التاجر ألا يحتكر. وألح على النائب أن يكون صادقا وأمينا لوعوده ومجتهدا في العمل لخير الناس الذين وثقوا به. وأطلب من الوزير أن يعمل من أجل خير الوطن، وليس من أجل خير الحزب أو الطائفة أو الزعيم. وأمام الذي تنازل حتى الإمحاء حبا بالإنسان: أدعو الكاهن لأن يكون علامة على محبة الرب وعلى تجرده وعلى تواضعه! وأنتظر من القاضي أن يحكم بالحق والعدل غير عابىء بالضغوط التي قد تمارس عليه".

 

وختم: "أتمنى على اللبناني كائنا من يكون، أن يبتعد عن منطق الغالب والمغلوب وعن منطق الأكثرية والأقلية. أطالبه بالابتعاد عن الفساد في كلامه وأعماله وعن التعصب بكل أنواعه، وأن يضع يده بيد الآخر لأجل بناء دولة تحمي الإنسان وحقوقه وتميزه، وتوقف نزيف الهجرة بتأمين الحياة الكريمة لمواطنيها، وتحاسب كل عابث بأرض وبإنسان وطننا لبنان.  ولد المسيح، هللويا!".

 

وبعد القداس الذي خدمته جوقة بيت العناية الإلهية والعازفون من رعية السيدة الفنار، تقبل المطران عبد الساتر التهاني بالعيد في صالون الكاتدرائية.