عقوبات أميركية "استثنائية" على إيران... ديبلوماسية أم حرب؟

عادت الولايات المتحدة إلى مسار سياسة "الضغط الأقصى" على إيران، بعد الضربات المدمّرة التي استهدفت من خلالها سلسلة المنشآت النووية، وفرضت أكبر حزمة عقوبات منذ عام 2018، استهدفت خلالها أكثر من 50 شخصاً وكياناً، إلى جانب أكثر من 50 سفينة، ما يؤشّر إلى أن واشنطن تفرض ضغوطاً على إيران لإعادتها إلى طاولة المفاوضات من موقع "ضعف".


العقوبات الأميركية استهدفت شبكة شحن عالمية تابعة لمحمد حسين شمخاني، نجل مستشار المرشد الإيراني علي شمخاني، التي "تدير أسطولاً ضخماً من ناقلات النفط وسفن الحاويات، وتنقل النفط الإيراني والروسي إلى الأسواق العالمية، وتشارك في شحن صواريخ ومكونات مسيّرات من إيران إلى روسيا محققة أرباحاً تستخدم في تمويل أنشطة النظام الإيراني"، وفق وزارة الخزانة الأميركية.

تعتمد الولايات المتحدة ديبلوماسية الضغط الأقصى لإرغام خصومها على التوجّه نحو طاولة المفاوضات من موقع ضعف. وفي هذا السياق، تسعى واشنطن لاتفاق مع طهران ولكن بشروطها، وقد حاولت إضعافها إلى أقصى الحدود مع إعطاء تل أبيب الضوء الأخضر لمهاجمتها وتوجيه ضربات ضد منشآتها النووية وفرض عقوبات تستهدف مواردها.

الباحث في الشأن الأميركي توفيق طعمة يوافق على السياق المذكور سلفاً. ويرى أن العقوبات الأميركية الجديدة تندرج في إطار "التصعيد المحسوب"، وبتقديره، "لا تهدف" الإدارة الأميركية إلى الحرب، بل إلى الضغط السياسي و"احتواء" النفوذ الإيراني في المنطقة من خلال الضغط الاقتصادي، وهي سياسة اعتمدتها الولايات المتحدة في وقت سابق.

ويقرأ طعمة، خلال حديثه مع "النهار"، رسائل مزدوجة ترسلها الولايات المتحدة من خلال حزمة عقوباتها، الرسالة الأولى مفادها "طمأنة" حلفائها في المنطقة، إسرائيل والدول الخليجية، بأنها "لن تتخلّى عن دورها". أما الرسالة الثانية، فهي محاولة "تقييد" قدرات إيران لجهة دعم حلفائها في المنطقة أو العودة إلى البرنامج النووي الإيراني، كونها عقوبات تستهدف موارد مالية.

وبالتالي، يمكن الاستخلاص أن الولايات المتحدة تريد إضعاف إيران لمنعها من تطوير قدراتها العسكرية والنووية من جهة، ولاستدراجها نحو مفاوضات من موقع ضعف، لكن طعمة يرى أن واشنطن "لا تمتلك" استراتيجية شاملة ضد طهران، وتتحرّك "بردود أفعال"، وهذا ما يجعل المنطقة بحال "توتر مستمر"، دون أفق لحل سياسي أو اتفاق نووي جديد، وفق تقدير الخبير.

السؤال يكمن في قدرة هذه العقوبات على التأثير الفعلي على تجارة النفط في إيران، وبالتالي قدرتها على توجيه ضربة للاقتصاد النفطي الإيراني. التجربة تشير إلى أن العقوبات أدّت إلى تراجع الاقتصاد، لكن طهران تعلّمت كيفية الالتفاف على عقوبات واشنطن، وبتقدير طعمة، فإنها "لن تُحدث تحولاً جوهرياً" في سلوك إيران التي باتت "خبيرة" في الالتفاف على العقوبات.

في المحصلة، من الواضح أن الولايات المتحدة عادت إلى مربّع ما قبل المفاوضات، مرحلة الضغوط الديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، والتي تهدف إلى تحسين شروط التفاوض ومواقعه، وإيران إن عادت إلى الديبلوماسية، وهو أمر مرجّح، فإن العودة هذه المرّة تحمل ثقل الضربات على المنشآت النووية والحرب الإسرائيلية والعقوبات، والأنظار نحو نتيجة الميزان وخلله.