المصدر: نداء الوطن
الكاتب: مروان الشدياق
السبت 8 آذار 2025 07:23:59
في خطوة تعكس التزام الحكومة بروحية الدستور اللبناني و"اتفاق الطائف"، قرر رئيس الحكومة نواف سلام إعادة انعقاد الجلسات الحكومية في مقرّها الخاص في منطقة المتحف، تطبيقاً للفقرة الخامسة من المادة 65 من الدستور. هذه الفقرة تشدّد على أن "مجلس الوزراء يجتمع دورياً في مقر خاص"، وهو المقر الذي أُنشئ بموجب "اتفاق الطائف"، وتمّ تحديده رسمياً في مرسوم تنظيم أعمال مجلس الوزراء رقم 2522 لعام 1992.
المقرّ والذاكرة السياسية
يعود تاريخ اعتماد مقر المتحف لاجتماعات مجلس الوزراء إلى عهد الرئيس إميل لحود، حيث شهد المقرّ خلال تلك الفترة نشاطاً حكومياً مكثفاً. وفي عام 2009، تمّ افتتاح مكتب خاص لنائب رئيس مجلس الوزراء في المبنى نفسه، بمبادرة من اللواء عصام أبو جمرة، في خطوة اعتُبرت آنذاك تأكيداً على أهمية الفصل بين مجلس الوزراء ورئاسة الحكومة. لكن هذا المسار لم يُستكمل، إذ توقفت اجتماعات الحكومة في المقرّ منذ عام 2005، بسبب الوضع الأمني المتدهور إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما أعقب ذلك من اغتيالات وتوترات سياسية وأمنية. ومنذ ذلك الوقت، باتت الجلسات تُعقد إما في قصر بعبدا بحضور رئيس الجمهورية، أو في السراي الكبير برئاسة رئيس الحكومة.
بين الدستور والتحديات
وفقاً للأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية، فإن "الرئيس نواف سلام ملتزم بتطبيق الدستور بكامله، ويعود لكل رئيس حكومة تحديد أماكن انعقاد جلسات مجلس الوزراء". وأكد في حديثه لـ "نداء الوطن" أن "العودة إلى المقرّ الخاص ليست مجرد خطوة شكلية، بل ضرورة لتكريس ما ينص عليه الدستور و"اتفاق الطائف"، الذي حدّد مقراً خاصاً لمجلس الوزراء، مستقلاً عن مقري رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة".
من جهتها، كشفت مصادر حكومية مطلعة لـ"نداء الوطن" أنّ أعمال الصيانة في المقرّ قد بدأت، لضمان جاهزيته قبل انعقاد الجلسة المقبلة الأسبوع المقبل، ما يعني أن الحكومة مصممة على استعادة هذا التقليد الدستوري واستئناف العمل منه بانتظام.
دلالات القرار وتحدّياته
لا شك أنّ خطوة سلام تعكس توجهاً نحو إعادة الاعتبار لنصوص الدستور، لكنها في الوقت نفسه تطرح تساؤلات حول مدى تأثيرها على الأداء الحكومي في ظل التحديات السياسية والأمنية الراهنة. فإعادة انعقاد الجلسات في المتحف قد يُنظر إليها على أنها رسالة سياسية تؤكد استقلالية مجلس الوزراء عن السراي الكبير وقصر بعبدا، لكنها أيضاً قد تُواجه بعراقيل إدارية أو حتى سياسية، خاصة في ظل الانقسامات المستمرة حول تفسير بعض بنود "اتفاق الطائف" وتطبيقاته.
لكن الأهم يبقى في مدى استمرارية هذا القرار. فهل سيكون مجرد خطوة رمزية تؤكد التزام الحكومة الحالية بتطبيق الدستور، أم أنه سيمثل تحولاً جدياً نحو ترسيخ فصل السلطات وإعادة تفعيل المؤسسات الدستورية وفق القواعد التي أقرّها اتفاق الطائف؟ الأجوبة على هذه الأسئلة ستتضح في الأسابيع المقبلة، مع انعقاد أولى جلسات مجلس الوزراء في مقرّه الجديد - القديم.