عون والقضاء: رئاسة لا تعرف الحياد أمام العدالة

في ظل أزمات متراكمة ومؤسسات مأزومة، يبرز حرص رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون على إعادة الانتظام إلى مؤسسات الدولة، وفي طليعتها السلطة القضائية. فالرئاسة الأولى لم تكتفِ بتوصيف واقع القضاء ورفع المناشدات، بل دخلت عملياً في صلب المعضلة، واضعةً إصلاح القضاء على رأس الأولويات الوطنية، باعتباره الركيزة الأساسية لأي مشروع إنقاذي.

متابعة رئاسيّة مسؤولة... ومساءلة!

من منطلق مسؤولياته الوطنية، كشفت مصادر "نداء الوطن" أن رئيس الجمهورية اتخذ خطوة مباشرة وجريئة، بطلب جردة شاملة للأحكام القضائية الصادرة، بهدف تقويم الأداء العام للمحاكم، وتحديد مكامن الخلل والقصور، لا سيما بعد تزايد الشكاوى حول تأخير في إنجاز الملفات و"تلكؤ" بعض القضاة في أداء مهامهم. ما يعكس إصراراً على جعل القضاء سلطة فاعلة وساحة للعدالة وإحقاق الحق.

ووفق المعطيات، بدأ الرئيس عون بمتابعة أداء المحكمة العسكرية، حيث رُصد نشاط ملحوظ في وتيرة إصدار الأحكام وإنجاز الملفات، ما شكّل نقطة انطلاق لتوسيع الرقابة القضائية على باقي المحاكم والنيابات العامة في جميع المحافظات، تمهيداً لبلورة تصوّر شامل للتشكيلات القضائية المقبلة، على أسس أفضل من السابق.

مصادر متابعة أكدت أن رئيس الجمهورية يعتمد مقاربة صارمة تجاه كل ما يمسّ نزاهة القضاء أو يضعف ثقة الناس به. ولفتت إلى أن الرئاسة الأولى تتابع يومياً الشكاوى المتعلقة بملفات قضائية حساسة، وسُجلت أكثر من حالة تدخل مباشر منها، لتأكيد ضرورة حماية استقلالية القضاة، ومنع أي جهة من التأثير على مسار العدالة؛ وسط التأكيد على أن هذا الحزم لا يستثني أحداً، ويعبّر عن قناعة راسخة لدى الرئيس بأن القضاء العادل والمتماسك يشكّل أحد أعمدة الدولة القوية، في وقت يُعتبر فيه أي خلل في انتظام هذه السلطة ظلماً مباشراً لكل مواطن.

استكمال تشكيل المجلس الأعلى للقضاء

بالتوازي، يواكب المعنيون ملف التشكيلات القضائية الشاملة المقرّر بحثها قريباً، في إطار إعادة توزيع القضاة على المراكز المفصليّة، وفق معايير واضحة تحظر التبعية لأي مرجعية سياسية، وتستند على تقييم دقيق للنشاط القضائي، بهدف تعزيز فعالية الجسم القضائي وضمان توازن لا يتعارض مع معيار الكفاءة.

وفي هذا السياق، ينتخب رؤساء ومستشارو محاكم التمييز يوم غد الخميس، عضويْن جديديْن (مسيحي وشيعي) في المجلس الأعلى للقضاء، من بين رؤساء محاكم التمييز، مع استبعاد انتخاب قاضٍ درزي حالياً، نظراً إلى أن القاضي عفيف الحكيم سبق أن كان عضواً في المجلس، والتزاماً بالقواعد القانونية التي تمنع إعادة انتخاب من سبق له تولي المنصب قبل انتهاء الولاية. ولضمان التوازن الطائفي في تركيبة المجلس، يتولى وزير العدل تعيين قاضٍ درزي من بين رؤساء غرف محاكم الاستئناف. وعلمت "نداء الوطن" أن الوزير رفع الاقتراح إلى رئاسة الحكومة لاستكمال الإجراءات المطلوبة لإصدار مرسوم التعيين.

سهر على دولة العدالة

ومع استكمال المعنيين جهودهم في تهيئة بيئة قانونية متكاملة، وبعد تعيين القاضي أيمن عويدات رئيساً لهيئة التفتيش القضائي، رفع وزير العدل المحامي عادل نصار إلى مجلس الوزراء أسماء أعضاء الهيئة، ليشكّل تعيينهم، في حال أقرّ، خطوة إضافية تهدف إلى تكريس رقابة صارمة على الأداء القضائي.

في الغضون، كشفت مصادر قضائيّة لـ "نداء الوطن"، عن أنه ومن خلال هذه الخطوات، يكرّس العماد جوزاف عون موقع الرئاسة الأولى، بعد 125 يوماً على انتخابه، كموقع متقدّم في مراقبة الأداء القضائي والدستوري، رافضاً أن يبقى هذا الموقع أسير الصلاحيات الشكلية. وشدّدت على أنّ الرئيس، رغم العقبات السياسية والطائفية، اختار أن يكون الضامن الفعلي لحسن سير العدالة، انطلاقاً من إدراكه أن استعادة ثقة الناس بالمؤسسات تبدأ من استقلالية القضاء وقدرته على محاسبة نفسه.