المصدر: النهار
الجمعة 26 كانون الاول 2025 07:08:59
لم تكن موجة الاستهدافات الإسرائيلية الواسعة التي نُفِّذت في الساعات الأخيرة بين مناطق جنوب الليطاني والبقاع الشمالي مجرّد "روتين" حربي إسرائيلي تقليدي يتكرّر يوميا، بل تجاوزت ذلك في توقيتها، إذ جاءت تحديدا في يوم عيد الميلاد الذي أحياه لبنان في مختلف مناطقه، وسط انفصام حقيقي بين المخاوف من التصعيد والانصراف الكامل إلى إحياء العيد ورفع مستوى الحفاوة به.
فقد اكتسب التصعيد في عيد الميلاد طابع الرسالة الضمنية من حيث المضمون، ومفادها أن التهديدات السابقة بعملية واسعة في لبنان بعد نهاية السنة الحالية، وعلى مقربة من انتهاء مهلة إنجاز الجيش اللبناني جمع السلاح غير الشرعي من جميع التنظيمات والجماعات، وفي مقدّمها "حزب الله"، أُريد لها أن تتفاعل من الآن، وأن تُوجَّه إلى السلطات اللبنانية والدول المشاركة في لجنة "الميكانيزم".
وكان لافتًا للغاية أنه في الوقت الذي كانت فيه الطائرات الحربية والمسيّرات الإسرائيلية تُغير على عدد من الأهداف في الجنوب والبقاع الشمالي، كان رئيس الجمهورية جوزف عون يحاول بوضوح، من مدخل الصرح البطريركي الماروني في بكركي، حيث تقدّم الحضور في القداس الاحتفالي بعيد الميلاد، أن يخفّف ويبدّد المخاوف من حرب جديدة، متحدثا عن جهود دبلوماسية كثيفة يجريها لبنان، وملمّحا إلى ابتعاد شبح الحرب.
إذا، برز السباق بين التصعيد والجهود الهادفة إلى احتواء خطر الحرب بوضوح، بعدما شهد عيد الميلاد موجة استهدافات بدأت بغارة من مسيّرة إسرائيلية على سيارة في بلدة جناتا – قضاء صور، مساء ليلة إحياء العيد. وأفادت البلدية في بيان أن الغارة تسبّبت بإصابة شخص صودف مروره في المكان، نُقل على إثرها إلى المستشفى للمعالجة.
وفي البقاع، استهدفت غارة أمس فانًا في منطقة حوش السيد علي في الهرمل، أدّت إلى سقوط قتيلين عُرِف أحدهما، علي عبد الأمير سلمان، ونُقلا إلى مستشفى البتول في مدينة الهرمل. ولاحقًا، صدر عن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة بيان أعلن أن غارة العدو على سيارة في بلدة حوش السيد علي – قضاء الهرمل أدّت إلى استشهاد مواطنين اثنين.
وأفيد بعد ظهر أمس أن مسيّرة إسرائيلية نفّذت غارة استهدفت آلية "بيك أب" عند مدخل بلدة صفد البطيخ في قضاء بنت جبيل، وأُفيد عن وقوع إصابة. ولاحقًا، قال الجيش الإسرائيلي: "هاجمنا قبل قليل عنصرًا من حزب الله في منطقة جميجمة في جنوب لبنان".
إلّا أن الجيش الإسرائيلي أعلن لاحقا اغتيال كادر بارز، إذ أفاد بأن الجيش، بالتعاون مع جهاز "الشاباك"، أغار على منطقة الناصرية في الهرمل في لبنان، وقضى على حسين محمود مرشد الجوهري، وهو من أبرز المنتمين إلى وحدة العمليات التابعة لفيلق القدس الإيراني (840)، والذي دفع خلال الأعوام الأخيرة بعمليات ضد دولة إسرائيل في الساحتين السورية واللبنانية. وأشار إلى أن حسين كان يعمل تحت إمرة الحرس الثوري الإيراني، لافتًا إلى أن الوحدة 840 تُعد وحدة العمليات التابعة لفيلق القدس، التي يرأسها أصغر باقري ونائبه محمد رضا أنصاري، والمسؤولة عن توجيه العمل الإيراني ضد إسرائيل.
كما نفّذ الجيش الإسرائيلي فجرًا عملية نسف لمنزلين في الحارة التحتا في بلدة كفركلا، فيما ألقت مسيّرتان إسرائيليتان قنابل متفجّرة على بلدة حولا.
وسط هذا المناخ المقلق، حاول الرئيس عون من بكركي طمأنة اللبنانيين، فقال بعد خلوة عقدها مع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وقبل مشاركته في قداس الميلاد: "أريد أن أعايد جميع اللبنانيين وأقول لهم: إن شاء الله نشهد في السنة المقبلة ولادة لبنان الجديد، لبنان دولة المؤسسات لا دولة الأحزاب، لا دولة الطوائف ولا دولة المذاهب، دولة الشفافية والمحاسبة. من المؤكد أنه في هذا العيد هناك جرح نازف في الجنوب، ولم يعد أهلنا إليه بعد، فيما لا يزال أسرانا في السجون الإسرائيلية، ولا تزال هناك اعتداءات، آخرها اليوم في الجنوب والبقاع. إن شاء الله نشهد ولادة لبنان الجديد، وننتهي من الحروب ونعيش السلام".
ورداً على سؤال حول عمل الدبلوماسية اللبنانية بالتوازي مع عمل لجنة "الميكانيزم"، أكد الرئيس عون أن "اتصالات لبنان مع الدول المؤثرة لم تتوقف، خاصة مع الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والدول العربية".
وعن الانتخابات النيابية وما إذا كانت ستُجرى في موعدها، في ظل ما يحصل من عرقلة لإقرار القانون الانتخابي، أجاب: "أكرر القول إنني والرئيس نبيه بري والرئيس نواف سلام مصمّمون على إجراء الانتخابات في موعدها. مجلس النواب، وانطلاقًا من مبدأ احترام فصل السلطات، لديه دور يجب أن يلعبه. فليذهبوا إلى مجلس النواب وليناقشوا أي قانون يريدون. واجباتنا تأمين سلامة الانتخابات وشفافيتها، أما وفق أي قانون، فيقرّره مجلس النواب. ولكننا مصمّمون على إجرائها في موعدها، فالانتخابات استحقاق دستوري يجب أن يُجرى في وقته".
وعن موضوع حصرية السلاح، قال: "سنكمل في ذلك، وسأعود وأكرر أن القرار اتُّخذ وسنكمل في الأمر"، مشيرًا إلى أن التطبيق سيتم وفقًا للظروف.
وعن عمل لجنة "الميكانيزم" والحديث الإسرائيلي عن تجدّد الحرب بعد رأس السنة، أجاب: "إن اتصالاتنا الدبلوماسية لم تتوقف لإبعاد شبح الحرب. وأستطيع أن أقول لكم إن شبح الحرب بات أبعد. وبطبيعة الحال، في التفاوض، كل واحد يريد رفع سقفه، لكنني متفائل، وإن شاء الله الأمور ذاهبة إلى خواتيم إيجابية".