عون يلجأ لعُمان لتحريك التفاوض بين بيروت وتل أبيب وتحرّك تركي مريب على خطّ الضاحية - دمشق - طهران

يتموضع لبنان على خط التماس بين صنوي الدبلوماسية والحرب، حيث يطلّ الخياران برأسيهما معًا، وسط مناخ دقيق تتناوب فيه الهبات الحامية والباردة على الميدان اللبناني. فإسرائيل تخاطب "حزب الله" بالصواريخ والتصاريح، مهددة بأن ساعة النار تقترب. في بيروت، لا يزال الخطّ السياسي ساخنًا مع مواصلة موفد الإليزيه جان إيف لودريان لقاءاته بالمسؤولين. بالتوازي حطّ رئيس الجمهورية جوزاف عون في سلطنة عمان عاصمة التفاوض بين المتناقضين، في محاولة لتحرير الملف اللبناني من بازار إيران التفاوضي مع الغرب، وسحبه من لعبة أوراقها المحترقة. 

وعلمت "نداء الوطن" أن الخلوة الأساسية التي جمعت رئيس الجمهورية جوزاف عون بالسلطان هيثم بن طارق شهدت بحثًا معمقًا في مختلف الملفات، حيث قدّم عون شرحًا مفصلًا حول الوضع اللبناني، لا سيما في الجنوب، وآلية عمل "الميكانيزم" واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية. وبالنظر إلى الدور الذي تضطلع به السلطنة وعلاقاتها المتينة مع مختلف دول المنطقة، وخصوصًا مع الولايات المتحدة وإيران، تناول البحث إمكانية مساهمة مسقط في تسهيل المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية عبر لعب دور وساطة يقرّب وجهات النظر ويدفع نحو نتائج عملية.

كما حضر ملف تعزيز العلاقات الثنائية في اللقاء الموسّع، مع التركيز على تفعيل اللجان المشتركة، تكثيف الاجتماعات، وتعزيز التعاون في قطاع الطيران. ومن المتوقع أن تُستكمل المحادثات اليوم نظرًا لأهمية الملفات التي تُناقش.

وكان الرئيس عون خلال عبوره الأجواء السورية متوجهًا إلى سلطنة عُمان، أرسل برقية إلى الرئيس السوري أحمد الشرع، ورد فيها: "أعبّر عن خالص أمنياتي لكم وللشعب السوري الشقيق، سائلاً الله المولى عز وجل أن يمنّ عليكم بوافر الصحة، ويمكّنكم من مواصلة قيادة بلادكم إلى برّ الأمان والاستقرار"، وفق وكالة "سانا".

لاعب جديد على خط الوسطاء

أما التطوّر البارز على "أوتوستراد الوسطاء"، فتمثل بدخول تركيا على خط التفاوض بين الضاحية ودمشق من جهة، ودمشق – طهران من جهة أخرى، في تحرّك يعكس سعي أنقرة إلى الإمساك بخيوط مرحلة إقليمية دقيقة تتبدّل توازناتها بسرعة.

في هذا السياق، أفاد مصدر واسع الاطلاع لـ "نداء الوطن"، بأن العاصمة التركية نجحت خلال الأسابيع الماضية في جمع مسؤول رفيع من الحكم السوري الجديد مع مسؤول بارز في "حزب الله"، في لقاءات عُقدت مرارًا بعيدًا من الأضواء. كذلك، استضافت أنقرة مسؤولين رفيعين من سوريا وإيران.

لكن اللافت، بحسب المصدر، أن الاجتماعات لم تُعقد بصيغة رباعية كما أشيع، بل جاءت على شكل لقاءات ثلاثية منفصلة: اجتماع سوري – "حزب الله" بوساطة تركية، وآخر سوري – إيراني بوساطة تركية أيضًا. هذا الفصل في مسار اللقاءات يعكس حرص أنقرة على إدارة دقيقة للوساطة، تُمكّنها من التحكّم بالإيقاع السياسي، وإبقاء كل طرف في موقع الحاجة إلى دورها.

ويتابع المصدر أن نتائج هذه الاجتماعات تبدو إيجابية، إذ تناولت ملفات شديدة الحساسية تتصل بمرحلة ما قبل التحوّلات المرتقبة في الحكم السوري وما بعدها، وتركّزت على إعادة ترتيب العلاقة بين دمشق وكل من طهران و"حزب الله"، في محاولة لإعادة ضبطها بما يراعي مصالح الأطراف الثلاثة ويمنع أي اهتزاز في التفاهمات التي يجري العمل على ترسيخها.

الدور التركي غير منسّق عربيًّا

غير أن المعضلة الأساسية التي تثقل هذا المسار، بحسب المصدر، تكمن في أن هذه الاجتماعات تُعقد من دون أي تنسيق أو توافق مع الدول العربية المحورية، باستثناء قطر التي تبدو مطّلعة على تفاصيله وتوفر بعض التسهيلات لانعقاد اللقاءات. هذا التفرّد التركي يثير تساؤلات جدّية حول قدرة هذا المسار على الاستمرار، وحول ردّ فعل العواصم العربية التي تبذل جهودًا منذ فترة لإعادة إدماج سوريا في الحاضنة العربية، ضمن تفاهمات واضحة لا يبدو أن أنقرة تضعها في حساباتها.

جدول زمني لحصر السلاح

هذا التفرّد التركي الذي يتم خارج الإطار العربي، لا يؤثر فقط على مسار الوساطة بين دمشق وطهران والضاحية، بل يمتد تأثيره إلى التوازنات الإقليمية ومجريات الدعم الدولي للبنان. في هذا السياق، كشفت مصادر "نداء الوطن" أن إعادة تحريك ملف مؤتمر الدعم الدولي للجيش جاءت بعد بادرة لبنانية بتعيين السفير سيمون كرم رئيسًا لوفد لبنان في اجتماعات "الميكانيزم". وأوضحت المصادر أن اللقاء المرتقب في 18 الجاري في باريس، في إطار التحضير للمؤتمر، سيشهد مطالب من فرنسا والولايات المتحدة والسعودية لقائد الجيش العماد رودولف هيكل بتكثيف الجهود لإنهاء حصر السلاح جنوب الليطاني بأسرع وقت، تمهيدًا لامتداد العملية إلى شمال النهر ومن ثم إلى كامل الأراضي اللبنانية. وسيشدد الدبلوماسيون على ضرورة أن يضيء الجيش على إنجازاته في الإعلام وألا يعمل في السر، مع التمسك بوضع جدول زمني واضح لكل مرحلة بحيث يتم تحديد تاريخ انتهاء الخطة، على ألا يتجاوز الأشهر الأولى من عام 2026.