عيد الأب في لبنان: لا "طنّه ورنّة" وحركة الأسواق خجولة

لا بهجة لعيد الأب. لم ترفع المحال في النبطية زينة العيد، وكأنّ لا قيمة له أسوة بعيد الأم. ما زال الإحتفال بعيد الأب خجولاً في المنطقة. يظهر ذلك من خلال حركة البيع وقوالب الحلوى، «قلة اشترت الكاتو» وفق أحمد (أحد العاملين في صناعة الحلويات في النبطية).
حتى المحال التجارية، بدت حركتها خجولة، والإقبال محدود، مع تزامن عيد الأب مع عيد الأضحى. يعيد حسين صاحب محل لبيع الألبسة الرجالية إلى «جهل الناس للعيد نفسه».
مهدور حق الأب اللبناني في عيده. لم يُدرج أو يطرح ضمن الأعياد الرسميّة يوماً، أسوة بعيد الأم. لطالما فكّر «أبو يارا» بالأمر، من دون أن يحظى بجواب.
لا يعرف أبو نجيب أن هناك عيداً للأب، لم يحتفل أحد به يوماً، ولم يحدث «طنّه ورنّة»، ومع ذلك يبحث عن «لَمَّ العائلة» التي برأيه هو العيد. يعمل أبو نجيب في جمع الخردة من مستوعبات النفايات في الطرقات، بات هذا عمله منذ بداية الأزمة، لم يجد شيئاً آخر يمتهنه، تحوّلت النفايات إلى فرصة عمل لكثيرين من أمثاله. دفعته الظروف نحو القمامة، لا «خيار آخر أمامي، متطلبات الحياة كبيرة، أعمل لتوفير ثمن الدواء». لا يخجل بما يقوم به، يقول مبتسماً.
يداه الملطختان بالأوساخ تخبر حجم المعاناة «بدنا نعيش». ما يفكر فيه هو أن يبقى قادراً على توفير الطعام لا أكثر، لا يتطلع أبعد من ذلك، «ليس مضموناً»، كما يردّد. ينتظر اجتماع العائلة الأسبوعي، يرى فيها فرصة للراحة.
يجهل الرجل الستيني عيد الأب «لم أسمع به مسبقاً». العيد في غربة عنه، يمازح سائلاً: «عنا عيد؟». يضحك في سره ويقول: «عيدي فرحة أولادي». لطالما فكّر الآباء بأبنائهم، يرغبون في تحقيق أحلامهم، يوفرون لهم ما تيسّر.
يحمل زهير «ريشة الحدادة»، يعمل في «الحدادة الفرنجية»، يتحمّل وزر النار والكهرباء «كي لا يطلب ابني شيئاً وأقول له مش قادر». الأبوّة بالنسبة له هي الحياة والأمان مع صعوبتها. لا تقل أهمية عن الأمومة. يضيف: «ضحيّت كثيراً لكي أصبح أباً، دفعت أثماناً كبيرة لأحظى بطفل ينادي لي «بابا».
الأبوّة هي الحياة كلها، تشبه السياسة المعقدة التي تنجح بتلاحمها وتفشل بتفكّكها. يرسم الآباء في منطقة النبطية صورة الوطن، فهم يعملون في مهن متعددة، يتحملون قساوة الظروف، ليقدموا لأبنائهم ما يريدونه. يضحّون ولا يفكّرون في أنفسهم. هاجسهم توفير العلم والطبابة لهم. لكلّ أبّ قصة كفاح وتضحية. لكلّ أبّ قصة حبّ لا تنتهي، فهل من يكافئه؟