غازي عاد، بكلمات أمّهات وزوجات المفقودين: الى من نشكي همّنا بعد اليوم؟

رحل غازي عاد... رحل أكبر المناضلين، رحل الصديق والأب والأخ، رحل أمل أهالي المفقودين، رحل الكتف الذي لطالما اتكوا عليها، رحل من كرّس نفسه "أسير" قضية المعتقلين والمخفيين قسرا في السجون السورية.

ترك غازي أهالي المفقودين وحدهم، بعد رحلة بحث لم تتوقف يوما منذ عام 1995، ترك القضية في العالم الدنيوي رافضا التخلي عنها حتى النفس الأخير وحمل رجاءه بإفراح قلوب الأمهات الى العالم الآخر.

لم يكن غازي إنسانا عاديا بالنسبة لأهالي المفقودين، بل كان صوتهم الصارخ في برية الإهمال واللامبالاة، كان المدافع الشرس عن حقّ، لن يموت وإن خفُت نوره.

"خسرنا قلبا قويا، خسرنا صديقا، رفيقا، أخا لجميع الأهالي، أب المعتقلين، خسرنا إنسانا عظيما، مناضلا"، هكذا تصف نهيل شهوان، زوجة الرفيق المفقود قزحيا شهوان، رئيس لجنة المعتقلين والمخفيين قسرا (سوليد) غازي عاد. وتروي في حديث لموقع Kataeb.org أنه "وقت كنّا ناكل القتلة كان ياكلا معنا ووقت كنّا نفرح كان يفرح معنا"، الكلام لا يكفي لوصف غازي".

وتسألت بغصّة: "الى من نشكي همّنا بعد اليوم؟ ممّن سنستمدّ قوتنا بعد رحيل غازي؟ الى من سنروي ما سمعناه من شائعات؟ والى من سنلتجئ لينفي المعلومات المغلوطة التي تلعب بأعصاب الأهالي؟".

وتتوجه شهوان الى "الغالي" غير قادرة على حبس دموعها فتقول: "ضيعان طلتك يا غازي، ضيعان فكرك، الحزن يملأ قلبي بعد غيابك يا غازي، رحيلك حرق قلبنا ولن ننساك يوما، صورتك في قلوبنا وكلامك أيضا"، متمنيّة أن "يرتاح غازي في أحضان السماء بقدر ما تعب على الأرض".

لم يكن لغازي مفقودا أو أسيرا في السجون السورية، هو أخذ القضية على عاتقه وتطوّع لخدمة الأهالي على مدى 11 سنة. لم يمنعه كرسيّه المتحرّك من التقاط أطراف الخيوط والسعي للحصول على المعلومات الدقيقة.

ماري حداد والدة العسكري إيلي حداد المفقود منذ 26 عاما، عبّرت بدورها عن حزنها الشديد لوفاة غازي "فهو كان كل أملنا، هو الوحيد الذي ناضل من أجل هذه القضية، لن نجد مثل غازي انسانا يقف معنا والى جانبنا في قضيتنا"، مضيفة "غازي شخص لا يوصف، طيبة قلبه لا مثيل لها وعاطفته تجاه الإنسان الفاقد لمحبيه كانت مميزة، لم يفرّق يوما بين شخص وآخر".

جانيت خوند زوجة المفقود الرفيق بطرس خوند قالت في حديث لموقعنا إن "غازي هو الذي بدأ بالقضية ولولاه لما فُتحت أصلا، عمل من قلبه وبكل إخلاص".

صونيا عيد رئيسة "سوليد" السابقة ووالدة العسكري المفقود جهاد عيد اعتبرت من جهتها أن رحيل رفيقها في النضال خسارة كبيرة للأهالي وقد خانتها كلماتها إزاء الفاجعة التي أصابتها، فقالت: "أنا لا أجد الكلمات لأعبر عن شعوري، خسارة غازي خسارة لا تعوّض".

اختار غازي أن يسلك درب جلجلة أهالي المفقودين حاملا صلبانهم جميعا. لم يتعب، لم يكلّ، لم يملّ من ملف أكلته الجرذان بعدما أقفلت الدولة أدراجها عليه وتناسته. لم يتمكن غازي من الوصول الى خواتيم سعيدة في "قضيته"، لم يتمكن من بلسمة جراح الأمهات والآباء والزوجات والأخوة، الا أنه كان دائما الأمل بالنسبة اليهم وسيبقى من عليائه ينشر رجاء لقاء الأحبّة.