غرامات على رمي النفايات… قرار جيّد يعيد طرح الأسئلة الصعبة

لاقت خطوة وزارتي الأشغال العامة والداخلية بفرض غرامات على كل من يرمي النفايات على الطرقات أو خارج الحاويات المخصّصة، وعلى من يسدّون مصارف المياه بالمخلّفات، استحسانًا لافتًا لدى المواطنين باعتبارها خطوة مطلوبة في بلد تحوّلت طرقاته إلى مكبّات مفتوحة.

لكن الترحيب الشعبي لم يُخفِ السؤال المزمن الذي عاد ليطرح نفسه بقوة: كيف ستراقب الوزارتان هذه المخالفات؟ ومع من ستتعاونان فعليًا لضبطها على الأرض؟

هذا السؤال يبرز بجدية في مناطق الشمال لا سيما في عكار وطرابلس والمنية والكورة، حيث يشهد المواطنون يوميًا رميًا عشوائيًا لمختلف أنواع النفايات: أكياس منزلية، ردميات، مخلّفات ورش، وغيرها، ناهيك عن الأزمة المستفحلة في عدم قدرة هذه المناطق منذ سنوات على التخلص من نفاياتها. وهنا يتساءل الأهالي: من هي الجهة التي ستتولى فعليًا تحرير المحاضر؟ وهل سيسند الأمر للبلديات؟ وهل الأخيرة تملك الجاهزية والقدرة على مراقبة المخالفين؟

المفارقة أن معظم البلديات - القديمة منها والجديدة - لم تتمكن حتى اليوم من إيجاد حلول حقيقية لملف النفايات. فالخطة الأكثر اعتمادًا ما زالت تنحصر في نقل النفايات إلى مطامر كما يحصل في عكّار والمنية، فيما تنتشر المحارق والمكبات العشوائية كظاهرة ثابتة ومألوفة.

الشتوة الأولى

وتأتي الشتوة الأولى لهذا الموسم لتزيد الصورة وضوحًا. فبرغم أن كمية الهطولات كانت متدنية قياسًا بسنوات سابقة، إلا أنها كانت كافية لفضح واقعٍ مزمن: بُنى تحتية مهترئة، مصارف مياه مسدودة، غياب الاستعدادات لموسم الأمطار، وتردّي الإجراءات المتّخذة - إن وُجدت أساسًا. الطرق التي غمرتها البرك خلال دقائق من مطر خفيف تؤكد أن المشكلة وأن الحلول ليست فقط باتخاذ القرارات إنما بالقدرة والنيّة على تنفيذها.

الرقابة التكنولوجية

ولكي لا يبقى القرار حبرًا على ورق، بات من الضروري تعزيز الرقابة عبر التكنولوجيا. فالتجارب العالمية أثبتت أن ضبط رمي النفايات على الطرقات العامة يتطلب وضع كاميرات مراقبة ترتبط مباشرة بالجهات المختصة لرصد المخالفات وتوثيقها. كما يُفترض أن تتعاون الوزارات مع البلديات في المناطق والبلدات الداخلية، عبر تركيب كاميرات مماثلة عند المفارق والساحات الرئيسية، بما يتيح مراقبة الرمي العشوائي الذي يتمّ بعيدًا من الطرقات الرئيسية ومن دون أي رادع فعلي.

أرقام وتطبيقات:

وإلى جانب الكاميرات، تبرز ضرورة تخصيص أرقام طوارئ وإنشاء تطبيقات رقمية مرتبطة بالخط الساخن لوزارة الداخلية، بحيث يصبح كل مواطن عمليًا "خفيرًا"، يبلّغ فورًا عن أي مخالفة يشاهدها، مع إمكانية إرفاق الصور والفيديوات وتحديد الموقع. هذا النوع من الرقابة التشاركية يشكّل أداة أساسية في بلد تعجز فيه الأجهزة والبلديات عن التواجد في كل شارع وزقاق.

القرار الوزاري جيّد بحد ذاته، لكنه لن يصبح فعّالًا إلا إذا ترافق مع مسارات واضحة: كتحديد الجهة الرقابية المسؤولة في كل منطقة، وتفعيل الشرطة البلدية وتجهيزها بما يسمح لها بفرض القانون بجدية، بالإضافة إلى اعتماد الرقابة الإلكترونية وتعزيز التنسيق بين الوزارتين والبلديات وقوى الأمن الداخلي لوقف تشتت المسؤوليات.

فوضى النفايات ليست قضية تجميلية، بل عنوان لعطبٍ إداري أعمق. ومن دون آليات تنفيذ جدّية، سيبقى القرار مجرد نص جميل، وستبقى الطرق بين مطرقة الغرامات وسندان غياب الدولة.