فترات عصيبة لبنانيّاً عرقلت نزع السلاح.. لكن اليوم: السيطرة الإيرانية تندثر

لم تستطع المحاولات التي خيضت بعد اتفاق الطائف نزع سلاح "حزب الله"، وما كان مستحيلاً نتيجة وصاية سورية متربّصة بقرارات الداخل اللبنانيّ، مع الإبقاء على نفوذ عسكريّ يسلّحه النظام الإيرانيّ، بدأ يطرح بخفر بعد 25 أيار 2000، ثم بنبرة مطالبة بتسليم "حزب الله" بعد انسحاب جيش النظام السوري في نيسان 2005 حيث عقدت جلسات حوارية برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري بدءاً من آذار 2006 للتحاور في الملفات اللبنانية، بما فيها ملف حصر السلاح. لكنّ الجلسات الحوارية التي استمرّت حتى تشرين الثاني 2006 لم تكن ناجعة حينذاك.

بمراجعة للمحطات، فقد أعاد "حزب الله" تصعيد خطابه الأكثر تشبّثاً بالسلاح تحديداً بعد حرب تموز 2006، زاعماً أنه حقّق انتصاراً. ثمّ سيطر "محور الممانعة" تباعاً على الزمام الإستراتيجيّة اللبنانيّة مهدّداً بأسلحته السلم الداخلي، مع اجتياح العاصمة بيروت في أيار 2008، إثر قرار حكومة الرئيس فؤاد السنيورة إزالة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاص بـ"حزب الله". هكذا تضخّمت "فزّاعة" استخدام ترسانة "الحزب" داخل لبنان، ومعها "شبح الترهيب" من فكرة نزع السلاح وما يخصّه.

حاول رئيس الجمهورية ميشال سليمان بعد انتخابه رعاية حوار وطني في بعبدا بدءاً من عام 2008. ثم دعا عام 2012 إلى استئناف جلسات حوارية للبحث في سلاح "حزب الله" والسلاح الفلسطيني، وكانت أكثر التطلّعات تداولا حينذاك استراتيجية دفاعية من ضمنها كيفية استخدام سلاح "حزب الله". وقدّم سليمان اقتراحه عام 2012 لاستراتيجية دفاعية تضع السلاح بتصرّف الجيش اللبناني. انتهى عقد جلسات حوار في عهد سليمان في أيار 2014 من دون نتيجة، فيما قاطع "حزب الله" بعضها.

 

بعد ذلك، سيطر "حزب الله" أكثر على القرارات الإستراتيجية في عهد رئاسة ميشال عون وتفاقم تدخّله في السلطة التنفيذية وانتفت القدرة الرسمية على طرح مطلب حصر السلاح، رغم انتفاضة تشرين الأول 2019 التي طالبت بإنهاء الميليشيا. تغيّرات جمة حصلت بعد مشاركة "حزب الله" في جبهة إسناد قطاع غزة بدءاً من تشرين الأول 2023، ما استدعى حرباً إسرائيلية أنهكت محور "الممانعة" وهدّمت جزءاً من ترسانته الصاروخية واغتالت كثراً من قادته العسكريين والسياسيين. بعدئذٍ، تلاحقت المطالبات اللبنانية والدولية بنزع السلاح.

عدم نزع سلاح "حزب الله" في مراحل سابقة، يتحدث عن أسبابه عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب غياث يزبك: "كان ثمة قرار سوري - إيراني بالسيطرة السياسية والمخابراتية على لبنان، ما دفع النظام السوريّ إلى إزالة المقاومات الوطنية وجعلها حكراً على ميليشيا تأتمر بإيران. وبعد خروج جيش النظام السوري من لبنان، كانت سيطرة سوريا على القرار السياسي والديبلوماسي مع منظومة طيّعة للنظام السوريّ حينذاك، فيما بقي "حزب الله" المسلّح بواجهته المدنيّة ضمن منظومة الدولة، وأدار حسن نصرالله المنظومة الشرعية في الدولة. ولكن ما نشهده حاليّاً هو بدء سقوط السلطة الإيرانية في لبنان".

ويقول يزبك لـ"النهار": "السلاح انتهى دوره في 25 أيار 2000، وكل يوم إضافي شكّل إبقاء للدويلة مع أعراف انقلابية. لا حجة للاحتفاظ بالسلاح عام 2025، وخصوصاً بعدما أثبت عدم فاعليته في مواجهة إسرائيل. ويخطئ من يعتقد أن هناك فئة غير شرعية تستطيع الدفاع عن لبنان، وأن أي دولة تستطيع حماية نفسها بالسلاح فحسب من دون تدعيمها بشرعية داخلية وقانونية ودستورية وعلاقات دولية متماسكة".

يلاحظ يزبك أنّ "محور "حزب الله" كالثور المذبوح، يقوم بنوع من قتال تراجعي لإيجاد موقع في الدولة اللبنانية. لا أصدّق أن هذا المسار قد يستعيد عبره قوّته أو ينتصر على الدولة. ما يفعله يراكم مسؤوليته عن الأزمة اللبنانية ويطيلها من دون نتيجة، لأن الحزب لن يسترجع سلاحه أو يجرّ لبنان إلى حرب في الداخل ولن يعطى امتيازات جديدة عن التي نالها في اتفاق الطائف، إنما قد يجرّ لبنان إلى حرب إسرائيلية وييأَس العالم من لبنان".

 

وما سبب عدم ارتياح متابعين خارجيّاً إلى جلسة الثلثاء الحكومية؟ يستنتج يزبك أنّ "الحكومة ورئيس الجمهورية حيّدا نفسهما عن الورقة التي قدّمتها الولايات المتحدة الأميركية تطبيقاً لما يجب تطبيقه في لبنان، فيما يجب إصدار قرار تسليم السلاح، على أن يطبّق بعد شهر أو أكثر، فيكلّف الجيش اللبناني إدارة تسليمه لا تحضير خطة، ما يشكّل مماطلة".

ويرى يزبك أنّ "الدولة اللبنانية قامت بأمر جيد الثلثاء، لكن المهم الانتهاء من حصر السلاح نهاية هذا العام لا اتخاذ قرار فحسب. لذلك، الدول المشاركة في إعادة الاستقرار في لبنان لم تجد في ما حصل طريقة متماسكة أو صلبة، إنما محاولة تمييع. وأقصى التمنيات أن تمسك الحكومة أمورها مع العهد الرئاسي".