المصدر: المدن
السبت 8 كانون الثاني 2022 20:51:33
كتب نادر فوز في المدن:
ارتطمت مساعي الحوار الوطني، التي قادها رئيس الجمهورية ميشال عون، طيلة الأسبوعين الماضيين بحائط الامتناع والمقاطعة. فيستعيض الرئيس خيار طاولة الحوار البيضاوية بلقاءات مصغّرة ومنفردة مع أركان السلطة والسياسة اللبنانية. فيستقبل ابتداءً من مطلع الأسبوع المقبل، زعماء ورؤساء كتل نيابية، للبحث في الأزمات الراهنة وحلولها المعدومة، التي لا تلوح في أي أفق. "الحوار الوطني"، عنوان رافق اللبنانيين في مختلف مراحل الأزمات. اليوم، أمس، قبل خمس سنوات، وعشر وأكثر. عنوان للقاء "وطني" يجتمع فيه مسؤولون لطرح آرائهم المعدّة سلفاً، والمعروفة سلفاً أيضاً، للاتفاق على أنّ الاختلاف قائم في ما بينهم. فيكون الحوار مساحةً للتأكيد على الاختلاف ومحاولة حصر الخلاف ومنعه من التصاعد والانفجار.
حداد طاولات الحوار
حوارات ولقاءات، جميعها اتّسم بـ"الوطنية" طوال السنوات العشرين الأخيرة، ولّدت حلولاً ميّتة ما لبث أن أعلن الحداد عليها بعد أحداث أو مفترقات سياسية وأمنية. حوار 2006، انتهكته حرب تموز. حوار 2012، فضّته الثورة السورية ومشاركة حزب الله في قمعها وإسهامه وسواه في تحويل الثورة إلى حرب أهلية. حوار 2014، نسفته خشبية "معادلة الجيش والشعب والمقاومة". سبقت كل هذه الحوارات والطاولات والنقاشات، عهد الرئيس ميشال عون. ومنذ 2016 إلى اليوم، بادر الرئيس إلى الدعوة أكثر من مرة، وترأّس اللقاءات أكثر من مرة. حوارات بعطب طائفي، وأخرى بمضامين فارغة. وصولاً إلى المبادرة الأخيرة قبل انتهاء العهد، والتي على ما يبدو فرص نجاحها معدومة في ظلّ المقاطعة والامتناع عن تلبية الدعوة.
حوارات الرئيس عون
في حزيران 2017، طوّر الرئيس ميشال عون فكرة الحوار الوطني وأعطاها عنوان "لقاء الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة". وخرج عن اللقاء "وثيقة بعبدا" التي حملت عناوين ميثاقية وإصلاحية، بدّدتها لاحقاً الحصص الطائفية والمصالح المذهبية. ثم كانت دعوة من الرئيس عون إلى عقد حوار وطني للبحث في الاستراتيجية الدفاعية في أيار 2018. ولم ينطلق قطار الحوار حينها. ثم كانت "تخريجة" أخرى، في أيار 2020، بعنوان "اللقاء الوطني" حضره كل رؤساء الأحزاب والكتل النيابية المحسوبة على محور حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني، إضافة إلى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. تلتها محاولة لعقد "حوار وطني" في حزيران، سقطت بالضربة القاضية بفعل مقاطعة جعجع ورؤساء الحكومات السابقين. وفي آب، دعوة أخرى من عون إلى حوار روحي وسياسي، لم يكتب له النجاح، وذلك بمناسبة مئوية إعلان لبنان الكبير. وعشية عيد الاستقلال 2020، دعوة أيضاً لإطلاق الحوار، سرعان ما نامت على وقع الاهتزاز السياسي والمالي. ونهاية 2021، كانت الدعوة الرئاسية الأخيرة إلى "حوار وطني عاجل" لمناقشة همّ مختلف بعيد تماماً عن الهموم الأساسية للبنانيين، فجاءت دعوة عون العالجة لـ"التفاهم بشأن اللامركزية الإدارية".
فلكلور وتغطية ومصادرة
اتّسمت طاولات الحوار بفلكلور الميثاق الوطني. زعماء مسيحيون، وآخرون مسلمون، يتحلّقون حول الرؤساء الثلاثة للتأكيد على هموم وطنية يفترض أنها مشتركة. الحوار الوطني والتئام الزعماء، بالحدّ الأدنى، رسالة لأعداء الخارج بأنّ اللبنانيين مجتمعون ومتّفقون. بلاغة فلكلورية. وطالما أنّ جميع هؤلاء مجتمعون حول طاولة واحدة، يعني أن لا أعداء في الداخل، عكس ما تفصح عنه المجالس السياسية والداخلية في البلاد. طاولة الحوار، ورقة تين يتلطّى فيها الزعماء اللبنانيون للقول إنهم عازمون على إنقاذ البلد. في حين أنه، في الحقيقة، هم أنفسهم عطب أزماته. طاولة حوار، تجمع كل رؤوس السلطة السياسية والطائفية والمالية والمصرفية والميليشياوية، فتصادر رأي الجميع في مجالس ومؤسسات دستورية وخارجها حتى. طاولة الحوار، إن عنت شيئاً، فهو أنّه لا حكومة تعمل ولا مجلس نيابي يعمل. وأنه تتمّ الاستعاضة عن العمل الدستوري بهذه الطاولات المتنقّلة من مجلس النواب (2006) إلى عين التينة (2016)، وبعبدا (بين 2009 واليوم). ليتمّ تنسيق تسويات وصفقات من خارج المؤسسات، لتتّخذ بعدها المجالس الدستورية قرارات أو تقرّ سياسات معلّبة.
هل يطرح "الحوار الوطني" موضوع سلاح حزب الله والاستراتيجية الدفاعية؟ لا. ما جدوى طاولة الحوار؟ تقريب وجهات النظر ووضع الأمور في نصابها بين مختلف مكوّنات السلطة السياسية والطائفية. ما دور مجلس النواب والحكومة؟ ترجمة ما يصدر عن طاولة الحوار الوطني. من يجتمع في الحوار والحكومة ومجلس النواب؟ الأحزاب والطوائف والزعماء والزعامات أنفسهم. كلّن يعني كلّن، الذين سبق أن فشلوا وسقطوا وعجزوا وفجّروا وقتلوا وتحاصصوا وتنانتشوا وأشعلوا المعارك والحروب. يتحاورون اليوم مجدداً، إن قدّرت الظروف واجتمعوا. يتحلّقون حول طاولة وسطها جثة بلد منهوب ومسروق ومنكّل به. فيرسم بعضهم إشارة الصليب، ويقرأ آخرون سورة الفاتحة. وليدم الله هذا الوفاق الوطني واللحمة المسيحية الإسلامية. إذهبوا في سلام الله، بوركتم يا أبنائي.