المصدر: الأخبار
الأربعاء 11 آذار 2020 07:43:46
رغم كلّ الملاحظات التي وضعتها إدارة المناقصات على دفتر الشروط، والاعتراضات التي قدّمتها نقابة أصحاب المطابع في لبنان، إلّا أن وزارة المال تصرّ على تلزيم طباعة الطوابع المالية بدفتر شروط معلّب ومعروفة نتائجه سلفاً. هي كلمة واحدة تلك التي تدلّ على التعليب: «روتوغرافور». هذه الكلمة تشير إلى نوع محدّد من تقنيات الطباعة ليست متوافرة في أيّ من المطابع اللبنانية، وهي غير مستخدمة عالمياً في مجال طباعة الطوابع، إلا للطوابع الباهظة الثمن التي تشكّل هدفاً لجامعي الطوابع، وهي تُستخدم لطباعة بعض الأنماط النافرة على الورق ومن أبرزها طباعة العملات، ما يثير الشكوك حول الحاجة إلى هذه التقنية في الطوابع المالية المتداولة كأداة تحصيل ضريبي تُستخدم لمرّة واحدة على المعاملات الرسمية من أجل ضمان تحصيل الضريبة. فهل هناك حاجة فعلية لهذه التقنية؟
في 7 شباط الماضي أطلقت وزارة المال مناقصة تلزيم تقديم طوابع ماليّة لزوم وزارة الماليّة، وأعلنت أن تاريخ فضّ العروض هو في 16 آذار الساعة التاسعة والنصف صباحاً على أن تكون آخر مهلة لتسليم العروض عند الثانية عشرة من ظهر آخر يوم عمل يسبق جلسة التلزيم. المناقصة أُطلقت على أساس دفتر شروط اعترضت عليه إدارة المناقصات، ولا سيما الشروط الفنية.
الفقرة التي أُضيفت إلى دفتر الشروط واعترضت عليها إدارة المناقصات جاءت بعنوان «الطباعة» وتنصّ على الآتي: «إنّ الصورة على الطابع المالي يجب أن تكون مطبوعة بتقنية الروتوغرافور أما لطباعة الحروف والكلمات والأرقام يسمح استعمال الـinkjet أو الـletterpress (typoraphic)». إدارة المناقصات قالت في كتاب موجّه إلى وزير المال في 15 كانون الثاني 2020 إنها لاحظت «تعديلات على دفتر الشروط تتناول إدخال تقنيات عالية الكلفة ولم تدل التجربة على حصول خلل كبير في التقنيات المعتمدة، ما يستدعي، ومنعاً لزيادة الكلفة، الإبقاء على التقنية المعتمدة في دفتر الشروط السابق (Flexography) إلى جانب التقنية المضافة (Rotogravure) وإضافة أي تقنية أخرى بذات المعايير، على سبيل تقنية (Offset) شرط أن تقدّم ذات المواصفات وذلك توسيعاً لدائرة المنافسة».
المقصود بما ورد في كتاب مدير إدارة المناقصات جان العلية، أنه يمكن توسيع المنافسة، إذا كان هذا هو هدف وزارة المال، من خلال السماح بتقنيات طباعة مختلفة لا يؤدي أيّ منها إلى أيّ خلل في المنتج الذي ستحصل عليه الوزارة. لكن وزارة المال أصرّت على تضمين شرط الـRotogravure حصراً دون سواه وأطلقت المناقصة على أساسه.
نقابة أصحاب المطابع اعترضت على هذا الشرط، وأوضحت في كتاب موجّه إلى الوزارة أنّه يؤدي إلى منع مشاركة المطابع المحلية في هذه المناقصة لأنه ليس لديها التقنية المطلوبة. وأشارت إلى أن هذه التقنية متوافرة خارج لبنان فقط فيما يجب أن تكون هذه المناقصة محصورة بالمطابع اللبنانية فقط.
المشكلة أن وزارة المال صمّت أذنيها عن هذا الأمر كما فعلت سابقاً. ففي محاولة سابقة لإطلاق مناقصة تلزيم الطوابع المالية أُضيفت تقنية الورق الذاتي الصمغ، وقبلها في عام 2015 جرت محاولة من أجل تعديل المواصفات الفنية أيضاً ولزّمت شركة «الخوري للتجارة» بمبلغ أعلى بقيمة 100 مليون ليرة من الكلفة التقديرية لشركة يشير سجلّها التجاري إلى أنها تعمل في مجال أعمال المفروشات للمكاتب والمستشفيات والأدوات الطبية اليدوية، القطن والشاش المطهر، الكفوف الصحية، فيلتر غسيل للكلى، الحليب، مواد التنظيف، الورق الصحي والتواليت، بيع النصوب والبذور والأسمدة الزراعية ومبيدات الحشرات.إذاً، هذه هي المرّة الثالثة التي تحاول وزارة المال تلزيم طباعة الطوابع المالية بطرق ملتوية. تطوّر الأمر من تلزيم لشركة تبيع مبيدات الحشرات والبذور والأسمدة إلى تعديل المواصفات الفنية، وهو ما يثير الريبة حول هوية المستفيد من هذه المناقصة المعلّبة المفصّلة على قياس «شركة أجنبية» كما يقول النقيب السابق لأصحاب المطابع في لبنان جوزف رعيدي. وهو يلفت إلى أن المناقصة الحالية غير منطقية لأنها تستبعد المطابع المحلية وتفسح المجال لأول مرّة منذ 40 سنة لمشاركة شركة أجنبية لتقديم أشغال بمواصفات تقنية لا لزوم لها. ويقول رعيدي إنه لا ينقص هذه المناقصة بصيغتها الحالية «سوى أن يكتبوا في دفتر الشروط اسم الشركة الفائزة سلفاً».
ويشرح خبراء في جمع الطوابع (غير المالية) أنّ تقنية الـRotogravure تعدّ تقنية مترفة لجهة نوعية الطباعة، إذ أنها تُستخدم بشكل أساسي في طباعة العملة نظراً إلى ما تتضمنه من خصائص وقدرة على إظهار الرسم الموجود عليها بشكل نافر يتيح تمييزها بسهولة وبكلفة عالية من أجل منع تزويرها. إلا أن الخبراء يعتقدون أن هذه الكلفة تصبح غير مبرّرة عند استخدام هذه التقنية على الطوابع المالية المتدنية القيمة قياساً بقيمة بعض العملات من الفئات الأعلى، علماً بأنه لم تظهر حالات تزوير واسعة للطوابع المالية خلافاً لحالات التزوير المتزايدة للعملات النقدية. ويتعزّز هذا التفسير بالاستناد إلى الملاحظة التي وضعتها إدارة المناقصات على دفتر الشروط.
يُضاف إلى ما تقدّم سبب آخر للاشتباه في المناقصة، وهو أن التوجّه العام للدولة حالياً يتركّز على ضرورة تقليص تدفّق الأموال من لبنان إلى الخارج. فلماذا الإصرار على إدخال شركات أجنبية لن تُبقي أرباحها في لبنان، وستخفّف فرص العمل فيه؟ صحيح أن المطابع اللبنانية ستستورد مواد أولية، ما يعني تحويلاً لجزء من المال إلى الخارج. إلّا أنها ستُبقي في لبنان كل الأكلاف الأخرى، بما فيها كلفة تشغيل اليد العاملة، مضافاً إليها أرباحها. أمّا المطبعة الأجنبية فستُخرج من لبنان كلفة الاستيراد... وأكلاف التشغيل وكامل الأرباح.