فوضى "النافعة" في لبنان: رشاوى وفرض خوّات ومعاملات VIP

مع كل ما حمله الملف من أخبار عن رشاوى وفرض خوّات وسمسرات ودعاوى، لا يزال بعضها حتى اليوم في عهدة القضاء، تعود قضية الفوضى في مصلحة تسجيل السيارات والآليات في لبنان، المعروفة بـ"النافعة" بين الحين والآخر إلى الواجهة لتذكّر بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق وزارة الداخلية ولبلديات، سيما أن كلام رئيس الجمهورية جوزف عون الذي أورده في خطاب القسم وكذلك البيان الوزاري أكّدا على "إنهاء معاناة الشعب اللبناني وتلبية طموحاته وتأمين حياة كريمة له". 

في شهر فبراير/ شباط الماضي، حضر معقّب المعاملات السابق في "النافعة"، الناشط شاكر طالب، إلى فرع المعلومات، بعد استدعائه قبل يوم واحد إلى التحقيق على خلفيّة شكوى كان تقدّم بها بحق ضابط في هيئة إدارة السير والآليات والمركبات - مصلحة تسجيل السيارات والآليات في لبنان، علماً أن طالب كان قد تقدّم بالشكوى في شهر أيلول من العام الماضي.

طالب الذي رفض توكيل محامٍ لكونه هو المشتكي في هذه الدعوى، دخل إلى التحقيق عند الساعة 11 قبل الظهر، وهو كاشف فساد وبقي لغاية الساعة 8 مساءً. وبحسب معلومات "النهار"، فإن التحقيق معه استند إلى عام 2017، سُئل خلاله عن كيفية حصوله على الرخصة وعن طبيعة عمله، من دون أيّ شكوى قانونية ضدّه.

معقّب المعاملات السابق كان قد تقدّم بشكاوى حول ملفات رشاوى وشبهات فساد أمام التفتيش المركزي والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ومجلس شورى الدولة، ولكنّ التحقيق معه لم يأتِ على ذكر أيّ من تلك الملفّات.

يسأل طالب عن سبب استدعائه في هذا التوقيت تحديداً، ويقول لـ"النهار": "يبدو أن هنالك إيعازاً من جهة ما لتركيب ملف بحقّي تحديداً، وبحقّ المحامي علي عباس، عضو المرصد الشعبي لكشف الفساد، لأننا نثير موضوع النافعة بشكل مستمرّ ودقيق، ونقدّم إخبارات أمام القضاء اللبناني بجرم الفساد وهدر المال العام". 

حرمان خزينة الدولة على مدى 4 سنوات
آخر الإخبارات التي تقدّم بها طالب، كانت على خلفيّة حرمان خزينة الدولة اللبنانية من تسجيل عربة "التوك توك". 

وقضية تسجيل "التوك توك" هي نموذج من نماذج الفساد، مضافة إلى ابتكارات السماسرة في مصلحة تسجيل السيارات، بالتواطؤ مع عدد من موظفيها، للتحايل على القانون. 

وفي تفاصيل هذه القضية، يشرح طالب لـ"النهار"، أنه قانونياً يجب تسجيل "التوك توك" في مصلحة تسجيل السيارات كدراجة نارية، لكونه يزن أقلّ من 400 كيلوغرام. لكن "تضارب مصالح" على ما يبدو، و"محسوبيات" حالت سابقاً دون ذلك. 

يسأل طالب: "من كان سيتحمّل مسؤولية الحوادث التي قد يتعرّض لها سائق التوك توك؟".

ومع أن خزينة الدولة اللبنانية حُرمت على مدى 4 سنوات من عدم تسجيل عربة "التوك توك"، إلّا أن الأمور عادت في الأشهر الأخيرة  إلى نصابها  بعد مذكّرة أصدرها الرائد محمد عيد، بناءً على اقتراح قانوني مقدّم من طالب.

كما أن محافظ بيروت، وكذلك محافظ النبطية، فرضا تسجيل "التوك توك" في النافعة. 

يقول طالب: "على ما يبدو، هذا الموضوع أثار انزعاج منظومة الفساد في النافعة، بحجة المضاربة على مصالحه".

سماسرة المعاملات

في حزيران/ يونيو من العام 2023، أطلق وزير الداخلية السابق بسام مولوي منصّةَ هيئة إدارة السير والمركبات والآليات - مصلحة تسجيل السيارات والآليات في الدكوانة على IMPACT، "لتسهيل عملية تسجيل السيارات وتخليص معاملات المواطنين". وفي الأثناء، جرى اعتماد نظام "موازٍ" لحجز المواعيد من خارج هذه المنصّة قادته مجموعة من المنتفعين.

تشرح المصادر لـ"النهار" أنه جرى في الفترة الأخيرة اعتماد ما يُعرف بـ "جدول معارض السيارات"، حيث  يُحضر السماسرة معاملات، وهم من يختمها بأختام المعارض، فتصبح المعاملة سارية المفعول، أما المواطن العادي الذي يريد أن يسجّل سيارته فعَليهِ أن يُحضر وكالةً وصكّ بيع، وتُطبّق عليه كافّة القوانين اللبنانية. 

الجدول هذا، بحسب مصادر "النهار"، خاص فقط بمعارض السيارات لا بالمعاملات، أي فقط التي تُباع حصراً في المعارض، وتكون باسم صاحب معرض السيارات حصراً، وليس لكلّ السيارات والسماسرة، وبالتالي هذا خرق للقانون. 

كما جرى أيضاً اعتماد ما يُعرف بـ"جدول الفريش دولار"، للدفع على المعاملة. تُنجز المعاملة عبر مجموعة من السماسرة من دون وكالة، ومن دون أيّ مستند قانوني. يدفع المواطن 50 دولاراً، ويحصل على الختم، و"بتمشي المعاملة VIP؛ وهذا الأمر يشرّع الرشاوى"، بحسب ما ذكرت المصادر.  

أمّا مَن يريد أن يجدّد رخصة النقل، التي يُكتب فيها عبارة (جُدّدت بتاريخ كذا) فقط، فعلى المواطن أن يدفع 10 دولارات بدل كلّ ورقة، وبالتالي عُمّمت داخل "النافعة" ثقافة الدفع بحجّة الجدول.   

هذان الجدولان، أضيف إليهما "بدعة" أخرى تُعرف باسم "الخط العسكري" للضباط. يشرح مصدر من داخل "النافعة" لـ"النهار" أن "هذا الخطّ جرى اعتماده أيضاً خلال فترة تولي وزير الداخلية اللبناني السابق.

وبحسب المصدر، فإن "بعض السماسرة يحضرون المعاملات إلى الدكوانة للتسجيل، من دون أيّ موعد ولا حتى عبر المنصّة، فيتم إتمام المعاملة في اليوم نفسه. أما المواطن العادي فعليه أن ينتظر".  

الأمر لم يتوقف عند تلك الجداول فقط، بل إن رسم اللاصقة الإلكترونية أو ما يعرف بالـ E-vignette، وهي تلصق على السيارات والآليات بعد استيفاء الرسوم، والتي كانت تمنح مجاناً في السابق، أصبح مليون ليرة لبنانية علماً أن ثمنها الفعليّ هو دولار واحد.

عن هذه اللاصقة، يقول شاكر طالب لـ"النهار": "تقدّمنا بإخبار، وفُتح تحقيق في الموضوع؛ فالمواطن الذي يدفع رسوم الميكانيك، ويسجّل سيارته، لا يحصل على هذه اللاصقة".

هيئة إدارة السير كانت قد أوضحت في وقت سابق أن اللاصقات الإلكترونية ملزمة بموجب المادتين 145 و154 من القانون ذي الرقم 243، تاريخ 2012/10/22 (قانون السير الجديد)، وهي ضرورة أمنية وإثبات إضافيّ بتسديد رسوم السير السنوية على قاعدة بيانات الهيئة ووزارة المال.

إلى جانب موضوع اللاصقة الإلكترونية، كانت شركة "إنكريبت" قد امتنعت عن تسليم اللوحات الآمنة التي يدفع المواطن نحو 3 ملايين ليرة لبنانية للحصول عليها؛ وبالتالي، كانت الشركة تقبض ثمنها من دون مقابل.

تحديات أمام وزير الداخلية الجديد 

لكون "هيئة إدارة السير والآليات والمركبات" على تماس يومي مع المواطن،  يؤكد المحامي علي عباس، عضو المرصد الشعبي لكشف الفساد، لـ"النهار" أن "معركة مواجهة استغلال المواطنين في النافعة وكذلك محاربة الفساد  الذي تراكم في عهد الحكومة السابقة، لن تتوقف في عهد وزير الداخلية الجديد، تماشياً مع خطاب رئيس الجمهورية جوزف عون وكذلك بعد كلام رئيس الحكومة نواف سلامة".