المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الكاتب: طوني جبران
الأحد 28 نيسان 2024 15:09:34
على وقع الهجمة الديبلوماسية التي سجلتها الأيام القليلة الماضية في اتجاه لبنان والتي رفع من مستواها الديبلوماسي كل من وزير الخارجية الفرنسية ستيفان سيجورنيه ونظيره البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني اللذان وصلا بفارق ساعات قليلة الى بيروت، تلاحقت السيناريوهات التي تحاكي مصير الجهود المبذولة لخفض التوتر في الجنوب وتسهيل الوصول الى تقصير مرحلة خلو سدة الرئاسة من شاغلها.
وإن كانت زيارتا الموفدين الفرنسي والبحريني الى بيروت قد تزامنتا في توقيتهما بالصدفة، فإن لكل منهما مهمة مختلفة عن الآخر. وان التقيا على ان زيارتيهما لن تتعدى ساعات قليلة يجولان خلالها على كبار المسؤولين، فإن الأول سيغادر مساء اليوم قاصدا الرياض في جولة تنقله منها الى تل ابيب قبل العودة الى باريس. وسيعود الثاني الى المنامة ليستكمل لاحقا جولته على بعض العواصم العربية من ضمن الإتصالات الاستباقية للبحث في جدول أعمال القمة العربية السنوية الدورية التي تستضيفها المملكة منتصف أيار المقبل عملا بمبدأ المداورة بين العواصم العربية لترأس بلاده أعمال القمة للسنة المقبلة.
وقبل تناول مجمل هذه الحركة، كشفت مصادر سياسية وديبلوماسية لـ "المركزية "أن من المهم جدا انتظار ما يمكن ان تنتهي إليه هذه الجولات الجديدة في ظل الفوارق الكبرى بين مهمات وقدرات أي من هؤلاء، ان ادرجوا على لائحة الوسطاء الدوليين والاممين. والى تلك اللحظة توقفت هذه المصادر امام مهمة كل من الوزيرين الفرنسي والبحريني وما يفرق بينهما:
- بات واضحا ان مهمة سيجورنيه جاءت لاستكمال المسار الذي بدأته الادارة الفرنسية في اللقاء الذي شكل الذروة في الاجتماع قبل ايام بين الرئيس ايمانويل ماكرون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون والاتصال الذي أجراه ماكرون برئيس مجلس النواب نبيه بري. وعليه فإن ما نسج من توقعات حول الزيارة تحدثت عن مجموعة من الاقتراحات الفرنسية الجديدة بصيغة متطورة في البعض من جوانبها المتصلة بالمهل الفاصلة بين مرحلة التوصل الى وقف منفصل لوقف النار في جنوب لبنان بمعزل عن الوضع في قطاع غزة، والترتيبات الخاصة بتنفيذ القرار 1701 وتجميد الخروقات الاسرائيلية مقابل انسحاب المسلحين ومعهم السلاح غير الشرعي من المنطقة الحدودية وتسلم الجيش وقوات "اليونيفيل" مهام الامن فيها، وكل ذلك من أجل تمهيد الأجواء التي تسمح بالتوافق على عقد جلسة لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية.
- اما بالنسبة الى مهمة الوزير البحريني فقد بقيت المعلومات المتصلة بالزيارة شحيحة وغامضة لو لم يتم ربطها بالتحضيرات الجارية للقمة العربية وما يمكن القيام به في الأيام القليلة الفاصلة عن موعد القمة الثالثة والثلاثين التي تستضيفها البحرين في السادس عشر من أيار المقبل. ولكن ما كان لافتا عندما تناول الإعلام البحريني الزيارة ولقاءاته التي انحصرت بكل من الرئيس ميقاتي ونظيره عبدالله بو حبيب من دون أي لقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري بأنها تندرج "في إطار محاولة إحداث خرق في القمة العربية الثالثة والثلاثين التي تستضيفها البحرين". بالإضافة الى القول بانه "سيطرح معهما اهمية التوصل الى حل الأزمتين العسكرية والسياسية في لبنان من خلال مسعى ديبلوماسي بحريني لإنجاح القمة". وهو كلام شكل لغزا من السابق لأوانه فهمه، بانتظار ما قد يطرحه وعما إن كان للقيادة البحرينية مبادرة جديدة مختلفة عما يسعى إليه القادة الخليجيون من الرياض الى الدوحة والتي لم تنته بعد اي منها الى صيغة قابلة للتطبيق.
وعلى هامش البحث في خلفيات الزيارتين، نصحت المراجع الديبلوماسية بضرورة انتظار ما ستنتهيان اليها، والتنبه في هذه اللحظات الدقيقة الى ما يجري التحضير له ما بين القاهرة وتل أبيب حيث انشغلت الاوساط بالبحث عما يطبخ بشأن مفاوضات الاسرى بينهما استنادا الى ما سمي بـ "المبادرة المصرية الجديدة" على مستوى مديري المخابرات ووفد عسكري وديبلوماسي مصري رفيع المستوى وما يجري من مفاوضات دقيقة ما بين واشنطن والرياض على مستوى وزيري الخارجية وربما كان هناك لقاء استثنائي بين وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ان توسع البحث بما تشترطه السعودية للبحث باستئناف مفاوضات التطبيع مع اسرائيل بعد التوصل الى اليوم التالي وما تريده الرياض على مستوى حل الدولتين او ما تسميه توفير الحد الادنى من حقوق الفلسطينيين باقامة دولتهم الى جانب الدولة الاسرائيلية.
وما بين هذه التحركات الديبلوماسية التي يخشى أن تبقى بلا نتيجة ايجابية على الأقل في المدى القريب ما لم تتلاق والجهود المبذولة على اكثر من مستوى ولا سيما تلك التي تقودها الولايات المتحدة الاميركية، والطروحات التي يمكن ان تقبل بها القيادة الايرانية لتنعكس ردة فعلها الايجابية او السلبية على الساحة الداخلية اللبنانية بمعزل عما يمكن ترجمته في الازمة الاقليمية والدولية التي نشأت منذ ان انطلقت عملية "طوفان الاقصى" وصولا الى المواجهة الاسرائيلية – الايرانية التي عدت الاكبر والاخطر عدا عن توسع مسرح العمليات العسكرية من البحر الأحمر الى بحر العرب ربطا بمن يتحكم بمضيقي باب المندب وهرمز وصولا الى الشرق الاوسط الممتد من لبنان الى العمق السوري والعراقي.
وبناء على ما تقدم، وإن طلب الى المراجع الديبلوماسية والسياسية إعطاء رأيها وقراءتها للمستجدات الداخلية وتحديدا بما يتصل بالازمتين الأمنية والدستورية، بما يتعلق بانتخاب الرئيس ربطا بما يجري في المنطقة من تطورات فقد باتت على يقين لا يرقى اليه اي شك بصعوبة الفصل كما الربط بينهما، وما يجري في غزة وهو ما يقود الى مسار طويل من خلو سدة الرئاسة ومزيد من الاهتراء في الدولة ومؤسساتها الى درجة غير مسبوقة.
وختاما انتهت المصادر السياسية والديبلوماسية في ختام قراءتها بالتعبير عبر "المركزية" عن مخاوفها من احتمال الوصول الى ما يشبه الزلزال السياسي المنتظر، إن تردى الوضع الامني في الجنوب، ولو لساعات قليلة. وخصوصا ان ثبت سقوط الملف السياسي والدستوري في لبنان من أولويات معظم الخطط القابلة للتطبيق وبقيت محصورة بما يمكن ان تؤدي اليه التطورات الامنية والعسكرية الى درجة طرحت فيها مجموعة من الاسئلة التي يتعلق بعضها بمصير الجهود المبذولة للتقدم في المسار السياسي وما يمكن ان يؤدي اليه اي توجه اقتربت منه "كتلة الاعتدال الوطني" برفع "الراية البيضاء" والتخلي عن استكمال اتصالاتها الرئاسية بدلا من اي قرار لا يمكن ان تقدم عليه "الخماسية الدولية والعربية" حتى الآن لألف سبب وسبب، فالمؤشرات لا تحصى ولا تعد.