المصدر: الأخبار
الأربعاء 30 أيلول 2020 06:44:22
يتربّع اقتراح قانون العفو العام على رأس جدول أعمال الجلسة التشريعية التي ستنعقِد على مدى يومَي (الأربعاء والخميس) وسط تحرّكات ميدانية، وبعدَ حركة سياسية لم تنجَح في خلق مناخ توافقي عليه. القانون يبدو كأنه ولد ميتاً، وخاصة أن الصيغة المطروح بها لا تُرضي أياً من الكتل، رُغم أن لكل منها فئة معنية بالاقتراح
يحطّ اليوم في الهيئة العامة لمجلس النواب اقتراح قانون العفو العام، الذي سبَق أن نوقِش في اجتماعات اللجان النيابية المشتركة. وبينَ آخر جلسة شهدت سجالاً حاداً بين الكتل - ولا سيما في ما يتعلّق بالعفو عن العملاء الفارين إلى فلسطين المحتلة منذ عام 2000 - وبينَ جلسة اليوم التي يتربع الاقتراح على رأس جدول أعمالها، لم يشهَد «العفو العام» أي تعديلات جديدة. الجلسة سبقتها اتصالات سياسية وتنسيق نيابي، أبرزه بين النائبين ياسين جابر وهادي حبيش، إذ تقدمت جهات في المجتمع المدني إلى النائب جابر باقتراحات لتعديل بعض المواد، وهو بدوره عرضها على الكتل. أما النتيجة؟ فلا تقدم، ومن المرجح ألا يسلك الاقتراح طريقه في الهيئة لسبب أساسي، وهو أن الصيغة المطروحة لا تُرضي أياً من الكتل، رغم أن لكل منها فئة تعنيها، والتعديلات المطروحة، ولا سيما من النائبة بهية الحريري، سيكون من الصعب مناقشتها قبل جلسة اليوم.
لم يتوقّف السجال اليومي حول قانون العفو العام، مقدّماً عينة عن تطييف ومذهبة القضايا واختلاف النظرة إلى قضايا أساسية، من الإرهاب إلى التعامل مع العدو الإسرائيلي، فيما ازدادَ الضغط في الآونة الأخيرة بعد تفجّر أزمة كورونا في السجون من جهة، ومن جهة أخرى نتيجة أحداث الشمال والاعتداء على الجيش من قِبل إرهابيين كان بعضهم مسجوناً سابقاً، وقد مثّل هذان التطوران فرصة لكل طرف للتمسك بموقفه.
«هو ماشي ومش ماشي» بحسب النائب جميل السيد الذي أشار إلى اتصالات سبقت الجلسة لتأمين غالبية مؤيدة له. وأكد السيد أن بعض التعديلات أضيف من النائبة الحريري، منها ما يتعلق بالمادة التاسعة التي تنص على استبدال عقوبة الإعدام بالأشغال الشاقة، ويعفى المحكومون من إكمال مدة عقوبتهم عند تحقق شرطين: أن تكون مدة العقوبة المنفذة لا تقل عن ٢٠ سنة سجنية، وأن يكون المسجون بلغ ٦٥ عاماً، اذ اقترحت الحريري إلغاء الشرط الثاني. أما في موضوع الفارين إلى فلسطين المحتلة، فالاقتراح هو بسحب المادة الثامنة من القانون، على أن تتحول إلى مرسوم في الحكومة، وخاصة أن هناك قانوناً صادراً بشأنهم سابقاً. يقول السيد إن هناك «ألغاماً كثيرة تفتح المجال لتفسيرات مختلفة»، لكن هناك نية، ولا سيما عند رئيس المجلس، في إقراره.
لا يزال «اللقاء الديمقراطي» مُتمسّكاً بموقفه من القانون. وهو على عكس كل الكتل الأخرى، يرى أن الصيغة الحالية متوازنة وترفع الغبن، «فهي لا تشمل الإرهاب ولا الجرائم المالية»، كما يقول النائب بلال عبد الله. التصويت مع الاقتراح، بحسب عبد الله، له «أسباب صحية واجتماعية ووطنية»، كما أن الحالات المستثناة منه أكثر بكثير من الفئة التي سيشملها العفو، وهي محصورة ببعض الجنايات والجنح أو الذين لم يحاكموا بعد لكنهم موقوفون بوثائق، معتبراً أن «محاولة تطييف القانون هو ما سيمنع إقراره».
وبينما حسمت «القوات» أمر عدم مشاركتها في الجلسة، كان موقفها من القانون، ولا يزال، هو الرفض، وتعتبر كتلة «الجمهورية القوية» أن لا مغزى له، وأنه لا يدخل ضمن تشريع الضرورة، ويُمكن بحسب مصادرها أن «تتخذ الدولة اللبنانية إجراءات كثيرة في ما يتعلق بأزمة السجون بعيداً عن إصدار قانون للعفو»، مع العلم بأن اتصالات سبقت الجلسة أجراها النائب وليد جنبلاط مع القوات لإقناعها بالتراجع عن موقفها عبَر إغرائها ببند للعفو عن محكومين قبل عام ٢٠٠٥.
وقد حلّ القانون أمس على طاولة تكتل «لبنان القوي» الذي سيُشارك في الجلسة ويصوّت ضد الاقتراح، كما أكد النائب سيمون أبي رميا في اتصال مع «الأخبار». يؤكد أبي رميا أن التيار ضد الاقتراح «بالمطلق»، ويلتقي مع نظرة القوات في ما يتعلق بالحلول لأزمة السجون من دون عفو. ويدعو أبي رميا إلى العودة إلى «الجداول التي أعدّتها وزيرة العدل ماري كلود نجم للموقوفين الذين لم يدفعوا الرسوم أو لم تجر محاكمتهم بعد، أو قضوا محكوميتهم لكنهم غير قادرين على دفع غرامات مستحقة»، لافتاً إلى أن «الذهاب إلى حل مثل هذه الحالات سيخفف الكثير من الاكتظاظ من دون إصدار عفو عام». برأي أبي رميا، فإن القانون دونه تعقيدات كثيرة لن تسمح له بأن يمُر. حتى في قضية الفارين إلى فلسطين المحتلة، هناك ثغرات تتعلق بالذين ولدوا ونشأوا في كيان العدو، وهذه الثغرات هي التي أدت إلى تعليق آخر جلسة للجان بسبب الخلاف الحاد الذي حصل حول هذه النقطة. وكان من بين أكثر المعترضين عليها النائب أسعد حردان الذي أبدى استغرابه من مناقشة القانون في ظل هذه الظروف الأمنية، خاصة بعدَ أحداث الشمال وظهور الخلايا الإرهابية مجدداً. حردان الذي أبدى اعتراضاً على الاقتراح، لفت إلى أن «الصيغة الأخيرة هي التي ستحدد وجهة التصويت».حتى تيار «المستقبل» لن يسير بالاقتراح بصيغته الحالية. يؤكد النائب هادي حبيش ذلك. ورغم أهمية قضية الموقوفين الإسلاميين، إلا أن لائحة التعديلات التي تقدمت بها النائبة الحريري قد يكون من الصعب التوصل الى حل توافقي بشأنها.
«المشكلة في الصيغة التي لا ترضي أحداً» تقول مصادر نيابية. فلا المهتمون بالإسلاميين مؤيدون للصيغة الحالية، ولا صيغة الفارين إلى فلسطين المحتلة يمكن أن تكون موضع توافق، ولا تلكَ المتعلقة بالمهرّبين مثلاً ستكون كافية، فالبنود المطروحة والفئة التي يشملها القانون تعنيان إخراج العشرات فقط. وهذا ما سيجعل الهيئة العامة مقبرة القانون نهائياً.
أصول المحاكمات الجزائية هو الأهم!
وبرأي النائب حبيش، فإن الأهم من اقتراح قانون العفو هو اقتراح تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية. حبيش الذي قال في تصريح على وسائل التواصل الاجتماعي «هنيئاً للعدالة إذا أقرّ القانون»، أشار في اتصال مع «الأخبار» إلى أن أهم بنود اقتراح تعديل قانون أصول المحاكمات، هو أنه «يمنع استدعاء أي شخص من دون محامٍ، ويمنع أخذ إفادته من دون تسجيل ذلك بالصوت والصورة، وإلا تعتبر باطلة»، وبالتالي «لم يعُد بإمكان أحد فبركة الملفات».