المصدر: النهار
الكاتب: سابين عويس
الأربعاء 10 كانون الاول 2025 07:39:07
يتزايد الضغط على الحكومة من أجل إقرار مشروع قانون الفجوة المالية، بعد التزامها أن تحيله على المجلس النيابي قبل نهاية السنة، أي خلال أقل من ثلاثة أسابيع، وهي مهلة قد تعطي الحكومة صك براءة حيال عدم تخلفها في إعداد المشروع، لكنها حتماً لن تكون كافية لإنجاز القانون في البرلمان، وسط استمرار التباينات في وجهات النظر حيال مقاربته لتوزيع الخسائر.
وفي حين يجري تداول تسريبات قد تكون لنسخة تاسعة للمشروع الذي يتم إعداده والإشراف عليه في السرايا الحكومية، يكشف نواب أنهم لم يطلعوا بعد على النسخة النهائية التي تثير اعتراضات في بعض الأوساط، على خلفية أنه لا يحقق العدالة في آلية توزيع الخسائر، كما في الحفاظ على حقوق المودعين باسترجاع ودائعهم كاملة في ظل استمرار عمليات الاقتطاع التي قد تراوح بين ٢٠ و٤٠ في المئة وفق التصنيفات التي سيتم اعتمادها، ولا سيما بالنسبة إلى كبار المودعين.
المؤكد وفق ما توافر من معلومات عن هذا المشروع أن العبء الأكبر من توزيع الخسائر سيقع على عاتق الدولة والمصرف المركزي، على أن تكون مساهمة المصارف جزئية، مقابل عدم تحميل المودعين أي عبء، باستثناء ما يثبت التدقيق والتحقيق أنه ناجم عن عمليات تحويل أو فوائد غير مشروعة.
مصادر مطلعة على المشروع استغربت التشكيك فيه معتبرة أنه يشكّل محاولة قائمة على أسس سليمة قانوناً، وعادلة اقتصادياً لمعالجة الأزمة النظامية التي يواجهها لبنان منذ 17 تشرين الأول 2019. وتقول إنه يرتكز على أسس قانونية ودستورية متينة، مبنية على مبدأ النظام الاقتصادي العام الذي يجيز للدولة، في حالات الكوارث الوطنية إصدار تشريعات استثنائية، شريطة أن تكون محدودة زمنياً، ومتناسبة، وموجّهة لتحقيق المصلحة العامة، من دون أن يستفيد منها طرف معيّن على حساب آخرين من أجل تصحيح الاختلالات وعدم المساواة التي ظهرت خلال الأزمة أو بسببها.
وترى أن الأزمة الشاملة تقتضي توزيع المسؤوليات المالية بين جميع الأطراف:
الدولة، ومصرف لبنان، والمصارف التجارية، باستثناء المودعين الذين يُعدّون الضحايا الحقيقيين لهذه الكارثة المالية. وتؤكد أن الإجراء الأساسي يكمن في القضاء على العجوزات في ميزانية مصرف لبنان عبر تنقية المطالبات غير النظامية
(الفوائد الزائدة، تحويل الودائع بالليرة إلى
الدولار اسماً أو دفترياً، والحسابات التي تفتقر إلى إثباتات مصدر الأموال).
كما يخضع القطاع المصرفي لعملية مراجعة نوعية للأصول (AQR)
لتحديد مستوى تدهور رأس المال في كل مصرف على حدة. وبغضّ النظر عن النتائج، تُلزم جميع
المصارف التجارية إعادة رسملة
نفسها خلال خمس سنوات، ثم المساهمة في سداد الودائع إلى جانب الدولة ومصرف لبنان، ولكن المساهمة ستكون بحسب المشروع، جزئية.
وتضيف المصادر أن حسابات المودعين ستتوزع على الصغار والمتوسطين وكبار
المودعين، ويُدفع مبلغ 100 ألف دولار أميركي لكل مودع على مدى بضع سنوات وبأقساط سنوية، على أن يسدد الرصيد المتبقّي عبر مبادلة الودائع بأوراق مالية مضمونة بالأصول (ABS) يصدرها مصرف لبنان وتُسدّد وفق آجال مختلفة تمتد إلى 10 و15 و20 سنة.
وترى المصادر أن قانون FSDR "يشكّل مقاربة عادلة ومنصفة لحل الأزمة، إذ يفرض على الدولة، ومصرف لبنان، والمصارف التجارية أن تتحمّل حصتها من كلفة استعادة الودائع، ويتيح لمصرف لبنان استعادة توازنه المالي وللمصارف إعادة تكوين رساميلها واستعادة دورها الطبيعي في الاقتصاد الوطني، أي قبول الودائع وحفظها، ومنح
الائتمان للقطاعات المنتجة"
وتخلص إلى القول إن المشكلة مع أي قانون إنقاذ مالي في لبنان أن كل فريق يريد أن يرمي مسؤولية الدفع على فريق آخر.
وأمام تخوف بعض الأوساط من أن خلاصة المشروع تحميل المودعين الجزء الأكبر في شكل غير مباشر، وأن الدولة ستتحمل القليل، تؤكد المصادر أن أصحاب هذا الرأي يجب أن يدركوا أن الخيارات الأخرى التي تتيح للدولة أن تزيد مساهمتها في تحمل الخسائر ستكون من خلال اللجوء للخصخصة، أو لتفريغ الأصول الميتة، أو الذهب واستخدام العائدات لسداد الودائع. وهذه الخيارات لا تحظى بإجماع وطني في الوقت الحاضر، ما يعني أن المصرف المركزي وفق المشروع، سيكون الجهة التي ستتحمل العبء الأكبر والمقدر بنحو 60 في المئة من السداد النقدي و80 في المئة من الأوراق المالية المدعومة بالأصول. أما المصارف فستكون ملزمة إعادة الرسملة واستعادة الملاءة المالية، والمساهمة في سداد 40 في المئة من الجزء النقدي و20 في المئة من السندات. وأمام من يدعو المصارف إلى توسيع مساهماتها ورد الأموال التي تم تهريبها إلى الخارج، تجيب المصادر بالتذكير بأن المصارف خسرت حقوق الملكية الخاصة به، وحيازاتها من سندات الاوروبوندز تشوبها علامات استفهام، وفقدت ثقة عملائها وتعيش في تعثر وشبه إفلاس منذ بداية الأزمة.
في أي حال، يمكن الاستخلاص أن مشروع القانون الذي بدأت ملامحه تتبلور شيئاً فشيئاً، سيظل مسودة لن تتحول إلى قانون متكامل يمكن الركون إليه قبل أن تمر عليه مقصلة البرلمان في سنة انتخابية بامتياز، ما يعني أنه من المبكر الحكم على ما سيصمد منه حتى نهاية الشوط!