قبرص تتحرّك مع تنسيق أوروبي لمواجهة الهجرة السورية

أكثر من ملف حمله وزير الخارجية القبرصي كوستانتينوس كومبوس في زيارته الخاطفة لبيروت ولقاءاته التي شملت كلاً من رئيسي المجلس نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووزير الخارجية والمغتربين عبد الله بوحبيب، وقائد الجيش العماد جوزف عون، ولكن كان أهمّها ملف الهجرة غير الشرعية التي تقض مضاجع الجزيرة الصغيرة وهي التي تمثل السد المنيع في وجه التدفق نحو دول أوروبا.

شملت محادثات الوزير القبرصي ملف الترسيم البحري الذي لا يزال عالقاً مع لبنان رغم إنجاز الأخير ترسيمه مع إسرائيل، وذلك في انتظار إنجاز الترسيم مع سوريا إن من الجانب القبرصي أو من الجانب اللبناني، باعتبار أن هناك حدوداً مشتركة بين الدول الثلاث، وبالتالي هناك حاجة لمحادثات مشتركة من أجل التوصل إلى إنجاز الترسيم على مستوى هذه الدول. والموضوع لا يزال عالقاً ولم يحقق أي تقدم. كما شملت أيضاً مجالات التعاون في ظل اهتمام قبرصي بمشاريع تعاون في مجال الكهرباء والاتصالات، وقد بدأت في شأنها محادثات سابقة ولكنها لم تتقدم بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة في لبنان.

وإن كان كومبوس رحّب في نهاية لقاءاته اللبنانية بالمحادثات الجارية من أجل تسوية سلمية للخلاف على الحدود الجنوبية، مشجعاً الأفرقاء على السير بالحل الديبلوماسي ومؤكداً حرص بلاده على الأمن والاستقرار في لبنان، فهو لم يخف قلقه من استمرار عدم الاستقرار في سوريا وما ينتج عنه من تدفق لهجرة السوريين غير الشرعية في اتجاه بلاده. ولبنان معنيّ مباشرة بهذا الملف لكون الهجرة تحصل من الشواطئ الشمالية اللبنانية في اتجاه قبرص. كما أن هذا الوضع يتطور سلباً في ظل غياب أي معالجات جذرية له.

بدا الاهتمام القبرصي بتوطيد العلاقات مع لبنان واضحاً في محادثات كومبوس. وبدا كذلك أن هذا الاهتمام ليس منفرداً بل مدفوع من دول أوروبية أخرى تعاني من أزمة الهجرة غير الشرعية القادمة من الشواطئ اللبنانية. وقد لمس المسؤولون الذين التقاهم كومبوس في بيروت هذا التوجه القبرصي المعطوف على توجه من الدول المعنية بهذا الملف ولا سيما اليونان وإيطاليا. وقد سمع الديبلوماسي القبرصي في عين التينة طرحاً من الرئيس بري يدعوه فيه إلى تعاون مع هذه الدول ومع لبنان للضغط على دول الاتحاد الأوروبي الأخرى لتعديل وجهة نظرها ومقاربتها لملف اللجوء، خصوصاً أن بقية الدول الأوروبية لا تواجه مباشرةً مشكلة الهجرة كما هي الحال بالنسبة إلى الدول المشار إليها، ولا سيما قبرص التي واجهت قبل شهر تقريباً مشكلة وصول نحو ١١٦ مهاجراً سورياً تم إنقاذهم قبالة سواحلها، وذلك بعدما رفضت السلطات اللبنانية استعادتهم، متمسكة بموقفها المبدئي بأنها ملتزمة استقبال حاملي الجنسية اللبنانية دون غيرهم من حملة الجنسيات الأخرى.

وذلك على قاعدة أن مرجعية هؤلاء المهاجرين هي الدولة السورية وليست لبنان. وبالتالي يعود الى السلطات القبرصية التواصل مع السلطات السورية في هذا الشأن. وحتى الآن لا يزال الموقف اللبناني الرسمي على حاله في محاولة للضغط على الدول الأوروبية لتغيير مقاربتها لملف الهجرة غير الشرعية، بعدما بات واضحاً أن التوجه الأوروبي هو لإبقاء السوريين في لبنان، ما يعني أن على دول أوروبا أن تتحمل تبعات مثل هذا القرار لا من خلال اقتصار الموضوع على تقديم الدعم المالي لهم، بل على تحمّل مخاطر التهديد الذي يشكله بعضهم ممن يرغب في الهجرة نحو أوروبا، كما هي الحال بالنسبة إلى قوارب الهجرة التي تنقل المئات في شكل غير شرعي ومن دون علم السلطات اللبنانية.

يُذكر أن الجيش أحبط أخيراً عملية تهريب أشخاص في طرابلس، يوم الاثنين الماضي خلال عملية إنقاذ قام بها لـ٢٠ سورياً بينهم نساء وأطفال من الغرق أثناء محاولة تهريبهم عبر البحر المتوسط بطريقة غير شرعية إلى خارج البلاد وذلك بعدما توافرت معلومات عن تعرض مركب للغرق قبالة شاطئ طرابلس الشمالي، ما يؤكد أن عمليات الهجرة غير الشرعية مستمرة ولم تتوقف في ظل عجز السلطات اللبنانية والقبرصية عن وضع حد لعمليات التهريب القائمة.