قرارٌ أمميّ يُربك القطاع الصحّيّ اللبنانيّ

في خطوةٍ مُفاجئة وغير متوقّعة أقدمت مفوّضيّة الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين على رفع الغطاء الصحّيّ عن اللاجئين السوريين في لبنان وأبلغت وزارة الصحة بهذا القرار على أن يبدأ في تشرين الثاني المقبل. هذا القرار خلق إرباكاً في القطاع الصحّيّ لما سيُرتّبه من أعباء ماليّة، خصوصاً أنّ القطاع مُنهك أساساً ويعجز عن تغطية التكلفة الصحّيّة للبنانيّين.

أبلغت مفوّضيّة الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين وزير الصحة ركان ناصر الدين بوقف تقديم الدعم الصحّيّ للاجئين السوريين اعتباراً من تشرين الثاني المُقبل بسبب قلّة التمويل المُقدّم من الدول المانحة. وبدوره، أكّد ناصر الدين خلال لقاء مع وفد من المفوّضيّة "ضرورة عدم تقاعس المجتمع الدولي عن مسؤوليّاته الإنسانية، هذه المسؤوليّات التي لم يتقاعس عنها لبنان حيال المُقيمين على أرضه من غير مواطنيه... رغم أزماته الكبرى المُتلاحقة ماليّاً واقتصاديّاً وأمنيّاً".

قرار مُفاجئ

عضو "اللقاء الديمقراطي" رئيس لجنة الصحّة النيابيّة النائب بلال عبد الله أكّد لـ "نداء الوطن"، أنّ "القرار مفاجئ وغير منسَّق، وكنّا ننتظر من المفوّضيّة السامية للاجئين أنْ تتابع تطوّر الخطوات بالتنسيق بين الدولتين اللبنانية والسورية، والبدء بإعادة النازحين إلى بلادهم"، مشيراً إلى أننا "للأسف لم نضع خطة مُتكاملة بعد مع الدولة السورية. هناك لجان بدأت العمل، لكن حتى الآن لا خطة واضحة لإنجاز العودة، لذلك إبقاء هؤلاء بدون أي تغطية صحيّة، وهم ما زالوا يعيشون بين اللبنانيين، يُشكّل أولاً خطراً عليهم ويعتبر ثانياً موقفاً لا إنسانياً تجاه هؤلاء الناس الذين رماهم القدر والقمع السياسي في لبنان. وهو ثالثاً عبء على الدولة اللبنانية".

موازنة الدولة ضئيلة

في حال عدم وجود البديل، ما العبء الذي سيشكّله على الدولة اللبنانية اقتصادياً واجتماعياً وغيره، يُجيب: "الدولة اللبنانية لا تملك القدرات. موازنة الدولة ضئيلة لا تكفي الشعب اللبناني، لذلك نعمل على اقتراحات قوانين أخرى لموضوع التغطية الصحية الشاملة، الموازنة الحالية بالكاد تغطّي نصف الأعمال الطبية للبنانيين، فكيف بالأحرى إذا كان لدينا مليون سوري إضافي".

ويؤكّد عبداللّه أنّ "الدولة اللبنانية عاجزة الآن وحتى في المدى القريب المنظور لا يُمكنها أنْ تقوم بهذا الدور. لا إمكانيّات اقتصادية تسمح لها القيام بهذا الدور".

وعن الخطوات التي ستقوم بها لجنة الصحة النيابية بهذا الخصوص، يُجيب: "نحن بتنسيق كامل ودائم مع وزير الصحة ركان ناصر الدين. هذا موضوع تنفيذيّ أكثر، بين أيدي الحكومة ورئاسة الجمهورية. وكلجنة صحة نيابية نؤازر وندعم وعلى تواصل دائم مع وزير الصحة الذي يبذل جهوداً استثنائية في هذا الملف".

إشكالية تمويل

من جهته، يعتبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين النائب فادي علامة أنّ "من الواضح أنّ العديد من المراكز والمؤسّسات الأممية تعاني من مشكلة تمويل، ومنها المفوّضيّة ودورها، ولا أعلم إذا كان هذا الموضوع مرتبطاً بالأوضاع في سوريا التي بدأت تستتبّ شيئاً فشيئاً وتعود إلى طبيعتها، وبالتالي فكرة أن تكون هناك تغطية كبيرة للسوريين في لبنان لم تعد كالسابق. فقد نرى زيادة في عودة النازحين إلى بلادهم، وقد تكون هذه أحد الأسباب، لا أعلم، لأنّ المفوّضيّة لديها الأسباب، لكن ما أعرفه هو أنّ هناك قيوداً على التمويل الذي لم يعد كالسابق في معظم المؤسّسات الأممية ومنها المفوّضيّة".

أثر القرار

وعن أثر القرار على لبنان، يجيب علامة "نداء الوطن": "نتحدّث عن نحو مليوني نازح سوري حسب المعطيات والأرقام التي بحوزتنا. آخر مرة اجتمعنا مع المفوّضيّة في لجنة الشؤون الخارجية قالوا إن العدد نحو مليون و 200 ألف نازح، 90 في المئة منهم نازحون اقتصاديون، يعبرون الحدود غير الشرعية من وإلى سوريا بشكل دوري كي لا يخسروا هذه المخصّصات التي يحصلون عليها. وبلّغونا وقتها منذ شهرين أنهم سيُخفّفون تغطيتهم لعدد النازحين بنسبة مرتفعة جداً. اليوم بلّغوا رسميّاً وزارة الصحّة أنّ التغطية الصحّية ستتوقّف وهذا ما سيُسبّب إرباكاً للقطاع الصحّي في لبنان، لأنّ قسماً من المؤسّسات الاستشفائية والمراكز الطبيّة في مناطق كثيرة، معظمها خارج بيروت، تعتمد بجزء كبير من عملها على التغطية التي توفّرها المفوّضيّة للنازحين، وبالتالي ستكون هذه المراكز أول من يتأثر بهذا القرار. ومن ثم المريض السوري نفسه، لأن في حال لم يعد لديه أي نوع تغطية ويعاني من مرض معيّن يستدعي دخوله إلى المستشفى، سيخلق إشكالات نحن بغنى عنها، لأن المستشفيات لن تتمكّن من استيعابه في حال لم تكن هناك تغطية".

ماذا عن الحلّ؟

أما عن الحلّ، فيقول علامة: "علينا أنْ نرفع الصوت في الخارج ونطلب على الأقلّ نوعاً من التمويل، لملء النقص الحاصل في موضوع التغطية الصحّية بالذات. نتمنّى أنْ تستتبّ الأمور ويعود السوريون إلى بلادهم. لكن من الآن حتى يتحقّق الأمر، ومع النقص الحاصل في التمويل، سنبحث في كيفيّة إيجاد حلّ. وفي هذا الإطار، أطلق وزير الصحة دعوة إلى المجتمع الدولي كي يساهم من جانبه، في موضوع التغطية الصحّية، في حال استدعى الأمر ذلك، لأنّ لبنان لا يُمكنه تحمّل هذه النفقات. هذا هو الجوّ ولا يُمكننا العمل إلّا بـ "الدبلوماسية الصحّية".

ويختم علامة: "هذا تحدٍ جديد على لبنان أن يواجهه، لأنّ الدولة بالكاد قادرة على تغطية حاجات اللبنانيين، واليوم سيُزاد عبء إضافي عليها".