المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الكاتب: جوانا فرحات
الأربعاء 24 نيسان 2024 17:24:43
لا يبدو الكلام عن وجود نية لدى حكومة نتنياهو في إشعال جبهة الجنوب أو عن احتمال تمدد الحرب من غزة إلى لبنان ضرباً من الخيال. فالحرب في الجنوب مشتعلة والخسائر البشرية من مدنيين وقادة في حزب الله فاقت عدد القتلى في حرب تموز 2006 وكذلك الخسائر المادية في البيوت والأراضي الزراعية خصوصا مع توسع رقعة المواجهات يوميا واستعمال نوعية جديدة في الأسلحة والصواريخ الإسرائيلية التي تسقط فوق رؤوس أهالي الجنوب وتحرق الأخضر واليابس.
وإلى تلك المشهدية الواقعية، ثمة معلومات تدل على أن لبنان ينزلق أكثر فأكثر نحو حرب شاملة من خلال الرسائل التي يوجهها قادة عسكريون إسرائيليون وفيها أن "إسرائيل سوف تفرض الأمن على حدودها الشمالية عسكرياً، في حال لم تطبِّق الحكومة اللبنانية القرار 1701 وتمنع الهجمات من حدودها على بلاده". ويعتبر بعض المراقبين ان الرسالة هي جزء من تحضير المجتمع الدولي لتوسيع الحرب نحو لبنان.
ومن المؤشرات أيضا تكثيف الضربات الإسرائيلية على اهداف عسكرية لـ "حزب الله"، وتوسيع نطاقها الجغرافي، ورفع مستوى العنف، والاستعداد للتصويب على المدنيين الذين تختلط بهم الأهداف العسكرية. ومجزرة النبطية التي قتل فيها 7 أشخاص مثالاً على النمط الجديد للاستهدافات، من دون أن ننسى التسريبات الإعلامية لجهاز "الموساد" حول وجود بنى تحتية صاروخية لـ"حزب الله" في مناطق بعيدة عن الحدود كالمناطق ذات الغالبية المسيحية أو السنّية في قضاءي كسروان وجبيل صعوداً الى تخوم مدينة طرابلس ومحافظة عكار.
أيضا هناك الكلام عن تحضير الرأي العام الإسرائيلي لحرب واسعة ضد لبنان، من خلال مراكمة المواقف السياسية من أعضاء مجلس الحرب، والعسكرية من خلال كبار ضباط الجيش، وعلى رأسهم رئيس الأركان هرتسي هاليفي التي تؤكد ان التحضيرات لشن الحرب باتت كاملة. كما يمثل حشد مدرعات ثقيلة ونشر ألوية مقاتلة جديدة ومتمرسة جرى نقلها من غزة الى الحدود الشمالية واستكمال التدريبات والمناورات براً وبحراً عنصراً آخر يؤكد جدية التهديدات. وأخيرا لا نقلل من أهمية نشر معلومات خارج نطاق المستوى الحكومي والعسكري الإسرائيلي إلى ان قراراً إسرائيلياً بات بحكم المُتخذ يقضي بشن حرب على "حزب الله" في لبنان.
كل هذه المؤشرات ليست بالعنصر الوحيد الذي يدل على أن ثمة شيئاً يتم الإعداد له. فاقتراب حرب غزة من مرحلتها النهائية والإستعدادات الجدية لشن عملية عسكرية على رفح تزيد من مخاطر الانزلاق في لبنان، لا سيما بعدما فقدت إسرائيل الأمل في إمكان انتزاع وقف لإطلاق النار من "حزب الله" وتنفيذ القرار 1701.
رئيس لجنة تنفيذ القرارات الدولية في لبنان طوني نيسي يؤكد أن توسيع رقعة الحرب في الجنوب قائمة، أما ساعة الصفر فغير محددة وهي بيد إسرائيل وليس حزب الله. ويضيف لـ"المركزية"، أن "كلام مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان كان واضحا وقد صرح به من عين التينة حيث قالها بالمباشر: "إما الحرب وإما السلم". وبالتالي فإن مسالة توسّع الحرب قرار متخذ لدى إسرائيل ويبقى التوقيت".
ويرجح نيسي أن أسباب تراجع هوكشتاين عن الزيارة الخاطفة التي كان سيقوم بها أمس إلى بيروت تعود إلى عدم بروز أية مؤشرات حول تعديل حزب الله في موقفه من الإستمرار في توجيه صواريخه إلى الداخل الإسرائيلي في حال لم توقف إسرائيل عدوانها على غزة .وهذا حتما جواب إيران. لكن يبدو أن هوكشتاين الذي سيعود إلى بيروت في اليومين المقبلين سيحمل رسالة بمروحة أوسع تتضمن اقتراحا بضرورة إيجاد حلّ جذري لسلاح حزب الله في الجنوب وبأن إسرائيل تحمّل الدولة مسؤولية هذا السلاح وهذه المرة الأولى التي يحمّل فيها المجتمع الدولي وهوكشتاين المسؤولية للدولة اللبنانية وليس الحزب".
التهديدات المتواصلة التي يطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت بتوسيع الرقعة الجغرافية للمواجهة العسكرية مع حزب الله واستهدافه خارج الحدود اللبنانية أثار قلق الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي ما اضطرهما لإسداء النصائح للدولة اللبنانية بتطبيق القرار 1701. إلا أن فعل تطبيقه وفق نيسي لن يحصل إلا "ضمن مفاوضات غير مباشرة بين الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية وبإشراف الأمم المتحدة. وكل ما سبق من مفاوضات لا يمكن الركون إليها وإلا فإن الحرب قائمة ومفتوحة".
وحول إمكانية أن يحصل ضغط من قبل الإدارة الأميركية على إسرائيل للتراجع عن خطة توسيع المواجهة العسكرية مع حزب الله في الجنوب يؤكد أن الأميركيين قاموا بهذه المحاولة لكن الرد الإسرائيلي كان "لطالما سمعناكم والتزمنا بقراراتكم وطبقناها أما اليوم فأنتم ملزمزن بأن تعملوا وفق طريقتنا ".
في انتظار ساعة الصفر التي ستطلق صافرات إنذار توسيع الحرب في الجنوب سيبقى حزب الله في موقف الدفاع ويُرجح أن تدق هذه الساعة بعد الإنتهاء من عملية رفح التي باتت شبه مؤكدة بعد فشل مفاوضات الدوحة.
"المسار طويل لكنه حتما سيسفر عن عملية خلط أوراق في المنطقة ككل والمؤسف أن المسؤولين في لبنان يتلهون بمسائل بدل أن يحجزوا مقعدا لهم على طاولة المفاوضات منذ الآن، وليس عند انتهاء الحرب ولملمة الأوراق. ويخطئ من يظن أن الأقوى هو من يمسك بالأرض إنما من لديه مشروعا ليضعه على الطاولة ويناقش على أساسه كرجل دولة" يختم نيسي.